الانتباه العالمي موجّه نحو الشرق. التركيز يتسع من روسيا والصين إلى منصة تتزايد أهميتها في هندسة التوازنات الدولية: منظمة شنغهاي للتعاون. قمة تيانجين الأخيرة، التي جمعت أكثر من 20 قائدًا من آسيا الوسطى وجنوب آسيا والشرق الأوسط، جاءت في وقت حرج تشهد فيه العلاقات الدولية حالة من الانقسام، وسط تراجع الثقة في آليات النظام العالمي التقليدي بقيادة الولايات المتحدة.
في ظل هذه التحولات، تتقدّم موسكو وبكين لتشكيل محور جديد يُعيد صياغة قواعد اللعبة الجيوسياسية. هذا المحور يضم دولًا مؤثرة إلى جانب شراكات مع آسيان ومنظمات كـ"بريكس" والاتحاد الاقتصادي الأوراسي. تلك الدول باتت تدفع نحو عالم قائم على تعدد الشراكات والمصالح السيادية.
الصين، بقوتها الاقتصادية البالغة أكثر من 17 تريليون دولار، تعتمد على أدوات النفوذ الناعم، وتستثمر مبادرة "الحزام والطريق" لربط آسيا بأفريقيا وأوروبا. روسيا، التي تخوض مواجهة مفتوحة مع الغرب في أوكرانيا، تروّج لرؤية جديدة تعتبر أن الأمن لا يمكن أن يكون أحاديًا، بل يجب أن يُبنى بتوافقات إقليمية ودولية.
قمة تيانجين ناقشت موضوعات كبرى: تسريع الاستغناء عن الدولار عبر العملات المحلية، إطلاق منصات تسويات مالية إقليمية، مكافحة الإرهاب، تأمين سلاسل الغذاء والطاقة، والتعاون السيبراني، إضافة إلى مواجهة العقوبات الأحادية و"المعايير المزدوجة".
قضايا أوكرانيا، أفغانستان، وغزة حظيت بحضور بارز في النقاشات. المنظمة دعت إلى احترام السيادة، وقف التدخلات الخارجية، والتعامل العادل مع النزاعات، معتبرة أن العنف لم يعد أداة صالحة لتثبيت النفوذ.
الرسالة التي حملتها القمة تقول إن ميزان القوى العالمي في طور التشكل، ومراكز القرار لم تعد حكرًا على الغرب. منظمة شنغهاي لم تعد مجرد تحالف أمني إقليمي، بل باتت واجهة سياسية واقتصادية لنظام جديد قيد الولادة.
السؤال المطروح الآن: إلى أين يتجه هذا النظام الجديد؟ وهل يملك الغرب ما يكفي من الأدوات لإعادة ترتيب أوراقه واستعادة نفوذه؟.
الزمن سيحسم الإجابة، لكن المؤكد أن مركز الثقل العالمي يتحرك باتجاه الشرق، وهو ثقل اقتصادي وجيوسياسي لا يمكن تجاهله.