الجيش الإسرائيلي: استعدنا خلال "عربات جدعون" 10 جثامين لإسرائيليين كانوا محتجزين في غزة
في العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين، انقلبت موازين الاقتصاد العالمي رأسًا على عقب. لم يعد مركز الجاذبية الاقتصادية حكرًا على عواصم الشمال الصناعي، بل اندفع نحو الجنوب العالمي، حيث برزت اقتصادات آسيا والخليج كقوى صاعدة تُعيد تشكيل معادلة القوة. الهند، الصين، إندونيسيا، سنغافورة، كلها باتت، اليوم، محركات للنمو، تعصف بمؤشرات الاقتصاد العالمي وتفرض على العواصم التقليدية إعادة حساباتها.
الطرق القديمة تعرقل الطموح الجديد
منطقة المحيطين الهندي والهادئ — التي تضم 62% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتمثل ثلثي النمو في 2023 — ليست مجرد مسرح اقتصادي، بل بوابة العالم التجارية. عبر بحارها تمر 20 مليار طن من البضائع سنويًا على متن 190 ألف سفينة، تشق طريقها بين موانئ مزدهرة ونقاط اختناق بحرية ملتهبة.
من جانبه قال بريثفي غوبتا، زميل في برنامج الدراسات الإستراتيجية التابع لمؤسسة "أوبزرفر" الهندية للأبحاث، إنه رغم هذه الأهمية، ما زالت التجارة العالمية تعتمد على ممرات تعود لعصر الإمبراطوريات، مثل قناة السويس ومضيق هرمز، التي تحولت إلى نقاط ضعف تهدد بتعطيل تدفقات الاقتصاد العالمي مع كل أزمة إقليمية أو حادث عابر.
سباق الممرات الجديدة
مع انتهاء زمن الاعتماد على المسارات القديمة، يشتعل سباق محموم لبناء ممرات جديدة ومراكز اتصال حديثة، تربط آسيا بأفريقيا والخليج وأوروبا. هنا تبرز تحالفات متعددة الأطراف مثل البريكس+، الرباعية، I2U2، ومجموعة العشرين، إلى جانب مشاريع ضخمة، مثل: الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC)، وممر النمو بين آسيا وأفريقيا (AAGC)، وممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب (INSTC). إنها ليست مجرد خطوط على الخريطة، بل أسلحة إستراتيجية في معركة السيطرة على تدفقات التجارة العالمية.
بناء الطاولة
ولفت "غوبتا" إلى أن الهدف المعلن هو بناء شبكة تجارة لا تنكسر، قادرة على تجاوز نقاط الاختناق التقليدية، وتتحصن أمام الصدمات العالمية من أزمات سياسية إلى كوارث طبيعية. ومع كون 80% من تجارة العالم تُنقل بحرًا، فإن تحديث الموانئ، إدخال الخدمات اللوجستية الذكية، وتطوير بنية تحتية بحرية خضراء لم يعد ترفًا، بل شرطًا للبقاء في نادي القوى المؤثرة.
التجمعات الكبرى — من الرباعية إلى البريكس+ — تحاول التوفيق بين رؤى متنافسة للممرات البحرية، في وقت يتصاعد فيه التوتر بين القوى العظمى. وسط هذا التنافس، يبحث الجنوب العالمي عن استقلالية إستراتيجية تضمن له حرية الحركة وتمنع تحوله إلى ساحة صراع بالوكالة.
ما نشهده، اليوم، هو بداية إعادة هندسة خريطة التجارة العالمية، مدفوعة بتمدد الجنوب العالمي وصعوده إلى قلب اللعبة الجيو-اقتصادية. وإذا نجحت هذه الممرات والتحالفات في تحقيق أهدافها، فإن النظام التجاري الدولي لن يكون كما كان: خطوط الإمداد ستتوزع، الهيمنة على الممرات ستتغير، وربما يجد الشمال الصناعي نفسه للمرة الأولى منذ قرون مضطرًا لمجاراة قواعد وضعها آخرون.
الجنوب العالمي لم يعد ينتظر مكانًا على الطاولة… بل بدأ يبني الطاولة نفسها.