مقتل 8 أشخاص بغارات أمريكية على 3 مراكب في شرق المحيط الهادئ

logo
العالم

عبر "السكك والممرات".. واشنطن وموسكو تتصارعان على "قلب القوقاز"

توقيع اتفاقية ممر نقل دولي بين روسيا وإيرانالمصدر: (أ ف ب)- أرشيفية

تشير التقديرات الإستراتيجية إلى أنّ منطقة غرب آسيا عامّة و"القوقاز" خاصّة، تعيش حربًا إستراتيجية باردة، عنوانها الأساسيّ السيطرة على المسارات الكبرى لسكك الحديد والهيمنة على الممرات البريّة العابرة للأقطار والأقاليم.

ولئن نجحت واشنطن في التمركز في قلب هذه المنطقة الجغرافية الإستراتيجية من خلال مشروع "زنغزور"- أو ما بات يسمى بطريق ترامب- فإنّ موسكو وطهران خطّتا منظومة نقل بري مشترك تربط الشمال بالجنوب. 

 وشهدت إيران مؤخرًا وصول أول قطار شحن من روسيا إلى ميناء "أبرين" في إيران، وسط ترجيحات بأن يَشهد الخط البري بين موسكو وطهران زخمًا تجاريًّا واسعًا خلال السنوات القادمة، بما يعكس التقارب الإستراتيجي بين البلدين.

أخبار ذات علاقة

كيف تواجه إيران عقوبات "آلية الزناد"؟

سكك حديدية وطرق برية.. كيف تقاوم إيران عقوبات "آلية الزناد" عبر آسيا؟ (إنفوغراف)

تعاون سككي إيراني روسي 

ودشّنَت رحلةُ الشّحْن، لمسار كامل من رحلات قطار منتظمة تربط بين إيران وروسيا ودول آسيا الوسطى المجاورة، حيث ستنطلق الرحلات الدورية من منطقة تبعد عن العاصمة الروسية موسكو 900 كيلومتر شماًلا، لتسير عبر روسيا وكازاخستان وتركمانستان، وصولًا إلى معبر "إنج برون" الإيراني، ومنه إلى ما يُعرف بالميناء الجاف "أبرين" في إيران. 

ووفق جهات إيرانية قريبة من طهران، فإنّ افتتاح هذا الخط البري، يُمثل خطوة مهمة لتعزيز العلاقات التجارية الإيرانية الروسية، ويشكل متنفسًا استثماريًّا للبلدين اللذّين يرزحان تحت نير عقوبات اقتصادية صارمة.

وحسب المصادر الإيرانية ذاتها، فإنّ طهران تسعى إلى التحول إلى مركز رئيسي للواردات والصادرات والعبور بين دول الجوار، من خلال توظيفها لموقعها الجغرافي في الربط بين غرب آسيا والشرق الأوسط من جهة، وبين روسيا والفضاء الجنوبي من جهة ثانية، وبين آسيا وأوروبا من جهة ثالثة. 

فقد استقبل ميناء "أبرين" الجاف، منذ يونيو/ حزيران الماضي 30 قطار شحن من دول عديدة أهمها الصين، وتعمد إيران إلى شحن البضائع بالشاحنات إلى الدول التي لا تتوفر لديها بنية تحتية "سككية". 

3 مسارات للربط بين الشمال والجنوب 

ويمثلّ هذا الخط البري السككيّ بين روسيا وإيران عبر كازاحستان وتركمستان، واحدًا من بين ثلاثة مسارات (برية – بحرية)، تؤثث الرؤية والتصور الإستراتيجي للبلدين في الربط بين الشمال والجنوب، والمسارات الثلاثة لممر "الشمال- الجنوب"، هي:

المسار الأوسط عبر بحر قزوين: ويبدأ برًّا من "سانت بطرسبورغ" شمال غرب روسيا إلى منطقة "أستراخان" الروسية على بحر قزوين، ثمّ يتمّ الشحن بحرًا بواسطة السفن إلى ميناء "بندر انزالي" الإيراني على ساحل بحر قزوين، ثمّ النّقل برًّا إلى ميناء "تشابهار" الإيراني المطل على المحيط الهندي، ثمّ الشّحن بحرًا إلى مدينة "بومباي" في الهند، والعكس صحيح على أنّ نقطة أوروبية متمثلة في العاصمة الفنلندية "هلسنكي" صارت مربوطة بـ"سانت بطرسبورغ"، بطول 7200 كيلومتر، وينافس هذا الطريق بجدية طريق قناة السويس، حيث تتقلض تكاليف النقل عبره بمقدار 2500 دولار مقابل كل 15 طنًّا، ويقلص الفترة الزمنية من 40 يومًا إلى 14 يومًا فقط.  

المسار الشرقي: وهو مسار بري ينطلق من روسيا إلى إيران عبر المرور بكازاخستان وتركمانستان وأوزبكستان، وهو المسار الذي اتصل بوصول شحنة البضائع موفى الأسبوع الفارط. 

أخبار ذات علاقة

وزيرة المالية الهندية ووزير المالية الإسرائيلي

"جنوب القوقاز" يهدد بتفجير الشراكة العسكرية الهندية–الإسرائيلية

المسار الغربي: هو مسار بري –لم يدخل بعد حيز الخدمة في بعده السككي الحديدي- ينطلق من روسيا إلى إيران عبر أذربيجان، وهو يتطلب إكمال بناء خط سكة حديد "رشت- استارا" داخل إيران بطول 160 كيلو مترًا لربط ميناء "بندر أنزالي" الإيراني مع شبكة السكك الحديدية الروسية عبر أذربيجان، وهو ما يوفر طريقًا مباشرًا لنقل البضائع.

رهان إيراني على المسار الغربي

ويعدّ المسار الغربي، أحد أهم الاستحقاقات الروسية الإيرانية في الآونة الأخيرة، وذلك بالنظر لعائداته المالية والاستثمارية المعتبرة.

فقد أعلنت وزيرة الطرق والتنمية الحضرية الإيرانية فرزانة صادق في السادس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول أنّ العقد النهائي مع روسيا لبناء خط سكة حديد "رشت – أستار" سيتم توقيعه الشهر الحالي.

ومن المقررّ أنْ يمتدّ هذا الخطّ الذّي يبلغ طوله 164 كيلومترًا عبر محافظة "كيلان" على طول السّاحل الجنوبي الغربي لبحر قزوين، ويُشكّل آخر جزء مفقود في الممرّ الدوليّ للنقل بين الشمال والجنوب (INSTC)، ومن المتوقع أن يُحدث تحولًا جذريًّا في مسارات التجارة الأوراسية، وسيعيد ربط إيران مع جنوب القوقاز للمرة الأولى منذ 35 سنة كاملة.

ورغم التكلفة العالية للمشروع (التّقديرات تشير إلى 1.6 مليار دولار)، والعوائق الجغرافية (التضاريس الجبلية، وضرورة استملاك الأراضي)، وتأخر العوائد المالية والاستثمارية للمشروع (لن يحصل العائد المالي والمرتقب إلا بعد 10 سنوات)، فإنّ المشروع يتنزل ضمن التصور الإستراتيجي متوسط المدى للجمهورية الإيرانية ولحليفتها روسيا.

وتُحاجج السلطات الإيرانية بقدرة المقاولين الإيرانيين على استكمال المشروع بميزانية أقل من 700 مليون دولار، مؤكدة أنّها شرَعت في تأمين 80 كيلومترًا من مسار الخط، على أن يتم تسليم أكثر من 30 كيلومترًا للجانب الروسي.

ومن المتوقع أن يتعامل الخط مع أكثر من 10 ملايين طن من البضائع في سنته الأولى، وأن تصل طاقته القصوى لاحقًا إلى 15 مليون طن سنويًّا.

وإلى حين تبلور هذا الخطّ في شكله الحديدي النهائيّ حيث إنه لا يزال في شكله البريّ، لا يزال خطّ روسيا- كازاخستان- تركمنستان- إيران، يمثل شريان التجارة البرية وخزان نقل وشحن الأسلحة عبر السكك الحديدية.

إذ من المنتظر أن يتعامل هذا الخط مع 15 مليون طن سنويًّا في 2027، وأن يبلغ 20 مليون طن بحلول 2030.  

سكة الحديد "الترامبية" 

في مقابل، هذه المشاريع الروسية الإيرانية في ربط العالم بريًّا وتجاريًّا واستثماريًّا، تموضعت واشنطن في قلب المنطقة الآسيوية، مهددة بقطع شريان الترابط الروسي الإيراني، ومُحصلة نقطة إستراتيجية استخباراتية في غاية الأهمية. 

فقد رعت واشنطن في بداية أغسطس المنصرم، اتفاقًا أرمنيًّا أذريًّا، لإنشاء طريق وسكة حديدية، على الحدود البرية مع إيران، باسم "زنغزور". 

ويشير الخبراء إلى أنّ ممر "زنغزور" البري، كان أحد أصعب الملفات السياسية والإستراتيجية بعد حرب قرة باغ" في 2020، بين أذربيجان وأرمينيا، وهو ممر بطول 43 كيلومترًا، ويمر عبر إقليم "سيونيك" الأرمني، ليربط أذربيجان بجيبها ذي الحكم الذاتي "نخجوان"، ومنه إلى تركيا.

أخبار ذات علاقة

الرئيس الأذربيجاني ونظيره الأرميني

صفقة بلا ضمانات.. هل يضع اتفاق ترامب القوقاز أمام فخ دبلوماسي جديد؟

ووقع رئيس أذربيجان إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينياس، اتفاق سلام برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ ما سمح بتغيير التسمية التاريخية للممر من "زنغزور" إلى الممر الترانزيتي لترامب من أجل السلام والازدهار الدولي.

ورغم الأرباح الاقتصادية والاستثمارية المقرر جَنْيُها، أرمينيا وأذربيجان، من وراء هذا المشروع، فإنّ الخبراء يتفقون على أنّ واشنطن هي الرابح الأكبر في هذه الصفقة التجارية المهمة.

وحسب مصادر مطلعة على نصوص الاتفاق، فإنّ الأخير منح الولايات المتحدة الأمريكية حق الإدارة والإشراف والاستغلال الكامل للمشروع البري، الذي يمر بجوار الحدود الإيرانية الشمالية.

وسبق لإيران أن احتجت على المشروع الذي اعتبرته ضربًا لعمقها الجيوإستراتيجي، وقد اقترحت تغييرًا جغرافيًّا يبعده عن حدودها البرية، إلا أنّ الأطراف كافة لم تُلق بالًا، سواء لتنديدها أو لاقتراحها.

الخطر الأمريكي القادم على السكة 

ولا تخفي طهران، خشيتها من الأبعاد الاستخباراتية واللوجستية للمشروع، ولتداعياته الأمنية عليها، خاصة أنّ المشروع يقدم امتيازًا بنحو قرن من الزمان للشركات الأمريكية في الاستغلال والتمركز على حدودها والتي سيقع اختيارها من قبل واشنطن ذاتها باعتبارها الفاعل الحقيقي في هذا الاتفاق وصاحبة السيطرة التشغيلية. 

ويؤكد الخبراء الإيرانيون أنّ المعبر في حال تفعيله، سيكون خطرًا إستراتيجيًّا على إيران، ليس فقط استخباراتيًّا، وإنما أيضًا من ناحية اقتصادية واستثمارية، إذ إنه سيلغي بشكل نهائيّ مشاريع إيران في مدّ أنابيب النفط والغاز إلى أوروبا. 

فإيران التي كانت تتطلع لأرمينيا كقاطرة موثوق بها، وكجسر عبور طاقي إيراني نحو أوروبا- في حال قدمت تنازلات حقيقية في مشروعها النووي- صارت الأخيرة لا تسيطر فعليًّا على حدودها مع إيران عقب استقدام الشركات الأمريكية. 

أمّا من جهة روسيا، فإنّ المشروع يضرب في عمق، النفوذ الروسي في منطقة البلقان، ويستغل انشغال موسكو بحرب أوكرانيا، ويملأ الفراغ الإستراتيجي من ثلاث زوايا، هي: تجذير العلاقات الأمريكية الإسرائيلية مع أذربيجان، والتقليل من النفوذ الروسي في أرمينيا، واستجلاب الفاعل التركي في هذا المعبر باعتباره امتدادًا جغرافيًّا له نحو أوروبا.

ويبدو أنّ استحثاث موسكو وطهران للممر الغربي، والسعي إلى إتمامه في غضون الأشهر القليلة القادمة، يندرج ضمن الردود الثنائية حيال الخطوات الأمريكية الخطيرة في المنطقة.

مع بناء وإنشاء خطط سكك الحديد، تتغير جغرافيات، وتتبدل الحسابات الجيوإستراتيجية، وتتغير المعطيات بشكل دراماتيكيّ، وتقترب جغرافيات بعيدة وتبعد أخرى قريبة.

تقول القاعدة الاقتصادية المعتمدة للكشف عن المصالح الاقتصادية والاستثمارية الكبرى "اتبع المال" follow the money، ويبدو أنّ القاعدة السياسية والإستراتيجية الكبرى التي قد تسهم في حسن قراءة الواقع والمآلات تتمثل في متابعة "خطوط سكك الحديد" للقطارات الآتية من الغرب أو من الشرق.

أخبار ذات علاقة

خطوط سكك حديدية في آسيا الوسطى

من موروث سوفييتي إلى أوراسي.. سكك حديد آسيا الوسطى تشتعل بحرب اقتصادية

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC