logo
العالم

ظل فرنسا يخيم على "الجزيرة الحمراء".. "جيل Z" يهدد حكم رئيس مدغشقر

من الاحتجاجات في مدغشقرالمصدر: أ ف ب

أكد خبراء سياسيون فرنسيون أن الأزمة السياسية في مدغشقر تمثل نموذجًا صارخًا لتقاطع العوامل الداخلية المتراكمة مع التأثيرات الخارجية، وفي مقدمتها الدور الفرنسي التاريخي في الجزيرة الحمراء.

وأوضح الخبراء أن الاحتجاجات الواسعة التي تشهدها البلاد ليست مجرد رد فعل آنٍ على تدهور الأوضاع المعيشية، بل تعبر عن تراكمات سياسية واجتماعية واقتصادية تعود جذورها إلى سنوات من سوء الإدارة وضعف البنية التحتية وتنامي الشعور الشعبي بالتبعية للنفوذ الفرنسي.

أخبار ذات علاقة

مكافحة الشغب في مدغشقر اتفريق المتظاهرين

مدغشقر .. "جيل زد" يُسقط الحكومة والرئيس يكتفي بالاعتذار (فيديو وصور)

باريس في قلب الأزمة

وفي وقتٍ تتصاعد فيه موجة الغضب الشعبي في مدغشقر، تجد باريس نفسها في قلب أزمة سياسية واجتماعية متفاقمة، إذ تتهم فئات واسعة من الشباب الرئيس أندري راجولينا بفقدان الشرعية، فيما يزداد الحديث عن الدور الفرنسي في بقاء النظام قائمًا حتى الآن.

ومنذ 25 سبتمبر/ أيلول، تهز مظاهرات ضخمة العاصمة أنتاناناريفو وعدداً من المدن الكبرى، بقيادة جيل الشباب المعروف باسم "جيل زد" ما بدأ كاحتجاجات ضد انقطاعات المياه والكهرباء، سرعان ما تحوّل إلى حركة سياسية تطالب صراحةً برحيل الرئيس، بحسب موقع "ميديا بار" الإخباري الفرنسي.

من احتجاجات مدغشقر

"راجولينا ارحل!"

وأضاف الموقع الفرنسي، أن شعار "راجولينا، ارحل!" بات الصوت الأبرز في الشوارع، حيث تزداد التعبئة يوماً بعد يوم رغم محاولات السلطات احتواء الغضب الشعبي.

من جانبه، قال الباحث الفرنسي في التاريخ والعلم السياسي، في مركز العلاقات الدولية التابع لمعهد الدراسات السياسية في باريس لوران فوشار  لـ"إرم نيوز" إن "ما يحدث اليوم في مدغشقر ليس مجرد أزمة مؤقتة أو احتجاج على غياب الخدمات فقط، بل هو انفجار متزايد للمطالب المتأخرة التي تراكمت عبر عقود من التبعية السياسية والاقتصادية.

وأضاف أن الدور الفرنسي التاريخي ما زال واضحًا: ليس فقط من خلال العلاقات الرسمية، بل عبر دعم غير مباشر للنخبة الحاكمة التي استفادت من التعاون مع باريس، والقبول الضمني من فرنسا بحالة الحكم، رغم القصور في الشفافية والمساءلة.

مسؤولية تاريخية وأخلاقية

ورأى الباحث أن الشرعية لا تستعاد إلا إذا رافقت احتجاجات الشباب تغيّرات مؤسسية فعلية – إجراء انتخابات نزيهة، قيام جهاز قضائي مستقل، إلغاء الامتيازات الاقتصادية للنخب، والحد من النفوذ الاقتصادي الخارجي الذي يدعم النظام الحاكم.

وأضاف أن فرنسا تتحمّل مسؤولية تاريخية وأخلاقية بأن تكون جزءًا من عملية الإصلاح، لا أن تُعتبر حَكَمًا أو شريكًا سلبيًا يسمح للحكم بالاستمرار على المظاهر فقط".

من جهته، قال الباحث الفرنسي ورئيس مركز أفريقيا جنوب الصحراء في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، آلان أنتيل، لـ"إرم نيوز": " إن الأزمة الراهنة في مدغشقر تعكس مزيجًا من الفشل المؤسسي المحلي والغضب الاجتماعي المتراكم، من جهة، ضعف البُنى التحتية وانقطاع الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء دفع الشباب إلى نقطة الغليان".

وأضاف: "من جهة أخرى، لا يمكن تجاهل التأثير التاريخي للعلاقات مع فرنسا—ليس بالضرورة عبر تدخل مباشر، لكن عبر شبكات النفوذ الثقافي، الاقتصادي والدبلوماسي التي حافظت على نفوذ خفي".

وتابع: أن "الشرعية الرئاسية لراجولينا، لم تُبنَ فقط على المؤسسات المحلية بل أيضًا على قبول ضمني من جهات دولية، من ضمنها فرنسا، ما يجعل أي تراجع في هذا القبول الخارجي يُضعف الحكم داخلياً".

ويرى الباحث أن التحدي الأكبر أمام فرنسا يتمثل في ضرورة أن تستجيب باريس بطريقة شفافة، عبر دعم سياسات الحكم الرشيد، وتعزيز مؤسسات الانتخابات والمساءلة، وتجنب أي مظهر من مظاهر التدخل الصريح. وذلك لأن أي خطوة قد تُفهم على أنها تدخل خارجي، يمكن أن يستغلها النظام سياسيًا.

أخبار ذات علاقة

من احتجاجات الشباب في مدغشقر

الإصلاحات مرفوضة والفجوة تتسع.. احتجاجات مدغشقر تهدد عرش الرئيس

مدغشقر على صفيح ساخن 

وتتجه البلاد نحو إضراب عام دعت إليه الحركة الشبابية يوم الخميس، في خطوة تهدف إلى تكثيف الضغط على الحكومة التي تواجه أسوأ أزمة منذ سنوات.

ويرى مراقبون أن شرعية الرئيس راجولينا كانت هشة منذ البداية، إذ استندت جزئياً إلى دعم فرنسي غير معلن مكّن نظامه من البقاء في السلطة رغم الاضطرابات السياسية المتكررة.

لكن هذه المظاهرات التي يغذيها الغضب الاجتماعي تكشف هشاشة ذلك التوازن، وتعيد إلى الواجهة النفوذ الفرنسي التاريخي في الجزيرة، وهو نفوذ لم يتوقف عن إثارة الجدل منذ استقلال مدغشقر عام 1960.

من احتجاجات مدغشقر

فرنسا تحذّر رعاياها وتوصي بعدم السفر إلى الجزيرة

وسط هذه الاضطرابات، أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية تحذيراً شديد اللهجة، أوصت فيه بعدم السفر إلى مدغشقر إلا لأسباب قهرية.

التحذير الذي صدر في 28 سبتمبر/ أيلول حذر من "مظاهرات، واشتباكات، وعمليات نهب متفرقة" في العاصمة ومدن أخرى، كما نبه إلى اضطراب حركة النقل الجوي وانقطاع الخدمات الأساسية".

وجاء في البيان: "ينبغي للمسافرين التأكد مسبقاً من استمرار رحلاتهم ومواعيدها بالتنسيق مع شركات الطيران".

ومدغشقر، التي كانت حتى وقت قريب وجهة سياحية هادئة تُعرف باسم "الجزيرة الحمراء" تجد نفسها اليوم تحت وطأة أزمة اجتماعية واقتصادية خانقة أوقفت عجلة السياحة وشلت الحياة اليومية.

أخبار ذات علاقة

من احتجاجات الشباب في مدغشقر

قبل انقضاء "المهلة الأخيرة".. رئيس مدغشقر يخضع لمحاكمة شعبية

السياحة في مأزق والاقتصاد يترنح

وتدهورت الأوضاع الاقتصادية بشكل غير مسبوق، حيث أغلقت المتاجر أبوابها وتوقفت وسائل النقل، وتحوّلت الشوارع إلى مناطق احتجاج مغلقة.

كما أن القطاع السياحي، الذي لم يتعافَ بعد من تداعيات جائحة كورونا، تلقّى ضربة جديدة مع توصية فرنسا لمواطنيها بتأجيل أي رحلة غير ضرورية إلى مدغشقر.

وحتى الفنادق والبنى التحتية السياحية باتت تعاني من الانقطاعات المتكررة للمياه والكهرباء، مما زاد من تراجع الثقة بوجهة كانت تُعدّ من أجمل جزر إفريقيا.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC