الكرملين: بوتين يجتمع مع كيم ويشكره على دعمه للجيش الروسي
في وقت يترقب فيه العالم أي بارقة أمل لإنهاء الحرب الروسية ـ الأوكرانية، أعاد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فتح ملف التسوية من زاوية جديدة، بعدما وضع جملة من الشروط المتشددة على الطاولة، ربطها مباشرة بأمن روسيا القومي وبالضمانات التي ناقشها الرئيسان فلاديمير بوتين ودونالد ترامب في قمة ألاسكا.
وكشف لافروف أن أي تسوية محتملة يجب أن تمر عبر مناقشة ملف الأراضي إلى جانب توفير ضمانات أمنية لموسكو، موضحا أن أمن أوكرانيا ينبغي أن تضمنه مجموعة من الدول، تشمل الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، إضافة إلى تركيا وألمانيا ودول أخرى.
وربط الوزير الروسي هذه الشروط بالمحادثات السابقة بين بوتين وترامب، مؤكدا أن الضمانات الأمنية لأوكرانيا كانت محورا أساسيا، ومذكّرا بمحادثات إسطنبول عام 2022 التي لم تحقق أهدافها، مشددا على رفض موسكو القاطع لانضمام كييف إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، باعتباره تهديدا لا يمكن القبول به.
وفي السياق ذاته، طالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بانتشار قوات حليفة في بلاده بعد وقف إطلاق النار، وهو ما اعتبرته موسكو خرقا لمبدأ الحياد الذي تتمسك به.
هل نسف لافروف جهود الوساطة؟
وبين طرح لافروف للشروط الروسية لتسوية النزاع، يظل السؤال الأبرز: هل أطاح وزير الخارجية الروسي بجهود الوساطة التي بذلها بوتين وترامب بشأن الضمانات الأمنية لأوكرانيا؟
ويرى خبراء أن تصريحات لافروف الأخيرة لا تعني بالضرورة نسف جهود الوساطة، بل تمثل إعادة تثبيت للموقف الروسي القائم على ضمان حياد أوكرانيا ومنع انضمامها إلى الناتو.
واعتبر الخبراء أن أي محاولة أوروبية لإرسال قوات إلى كييف تمثل خطًا أحمر بالنسبة لموسكو، لارتباط الحرب مباشرة بأمنها القومي.
وأضافوا أن الشروط الروسية تبدو قاسية وتشبه إلى حد كبير شروط الاستسلام؛ ما يجعل قبولها من جانب أوكرانيا مستبعدا، خاصة في ظل استمرار المقاومة والدعم الغربي.
وأشاروا إلى أن موسكو ترفع سقف مطالبها قبل أي تفاوض جدي، وهو ما قد يمنح ترامب مهلة قصيرة قبل تبني أسلوب جديد، وسط تعقيدات ميدانية تجعل الحرب أقرب إلى "حرب مدن" دون مؤشرات على نهايتها القريبة.
العودة إلى جذور الأزمة
قال بسام البني، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن لافروف لم ينسَ ما اتفق عليه بوتين وترامب في قمة ألاسكا، وهو اتفاق قام على العودة إلى جذور الأزمة.
وأشار البني في تصريح لـ"إرم نيوز" إلى أن أوروبا تحاول تعطيل شروط هذا السلام، ومن أبرزها منع تزويد أوكرانيا بالسلاح، وتحويلها إلى دولة منزوعة السلاح وحيادية، ومنع انضمامها إلى الناتو.
وأضاف أن الأوروبيين يطالبون حاليا بضمانات أمنية عبر إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا، وهو خط أحمر لن تقبل به موسكو، باعتبار أن الحرب مرتبطة مباشرة بأمنها القومي.
وأكد أن تصريحات لافروف لا تعني "نسف" جهود الوساطة بين بوتين وترامب، بل إعادة تأكيد على الموقف التفاوضي الروسي.
وشدد على أن الشروط الصارمة، خاصة المتعلقة بالحياد الأوكراني والتنازلات الإقليمية، تكشف حجم التحديات أمام أي وساطة روسية ـ أمريكية وتبرز الفجوة الكبيرة بين مطالب موسكو وما يمكن أن تقبله كييف.
نشر قوات الناتو
وأشار البني إلى أن قضية الضمانات الأمنية التي ناقشها بوتين وترامب في قمة ألاسكا، تحاول أوروبا وكييف تحريفها وإخراجها من سياقها، عبر الدفع نحو نشر قوات من الناتو على الأراضي الأوكرانية، وهو ما ترفضه روسيا بشكل قاطع.
وأضاف أن أهداف العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا لا تتعلق فقط بكييف، بل ترتبط مباشرة بأمن روسيا القومي، وربما يكون القاسم المشترك بين بوتين وترامب أن كليهما يسعى لحماية مصالح بلاده.
من جانبه، قال نبيل رشوان، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن التصريحات الروسية الأخيرة سواء من لافروف أو بوتين تحمل سقفا تفاوضيا مرتفعا، وهو أمر معتاد في أي مسار تفاوضي.
وأضاف رشوان لـ"إرم نيوز" أن روسيا تبدو وكأنها تسعى لفرض استسلام كامل على أوكرانيا، فالشروط المطروحة لا تختلف كثيرا عن شروط الاستسلام التي فُرضت على ألمانيا النازية عام 1945 حين كانت الدولة منهارة وجيشها قد انتهى.
وتابع: "الوضع مختلف اليوم، فكييف ما زالت تقاوم، فيما تفتقر روسيا إلى القوة العسكرية الكافية لاحتلال أوكرانيا بالكامل أو السيطرة على العاصمة وفرض شروطها، وهو ما يجعل فرص قبول كييف بهذه المطالب مستبعدة".
"ناتو لايت"
واستشهد رشوان بتصريحات رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني التي تحدثت عن صيغة مؤقتة لعضوية أوكرانيا في الحلف لمدة خمس سنوات باعتبارها "ضمانة أمنية"، حتى إنها وصفتها بـ"ناتو لايت"، وهو طرح اعتبره غير واقعي.
ورأى أن تصريحات لافروف منطقية ولا تعني إسقاط أي تسوية محتملة، مشيرًا إلى أن الدول عادة ما ترفع سقف مطالبها قبل المفاوضات الجدية.
وختم بالقول إن ترامب قد يمنح الأزمة مهلة أسبوعين قبل اعتماد تكتيك جديد في التعامل مع موسكو، مشيرًا إلى أن المشهد ما زال معقدا في ظل تبادل القصف اليومي واستهداف منشآت الطاقة والوقود؛ ما يجعل الحرب أقرب إلى "حرب مدن" دون مؤشرات على قرب نهايتها.