تستعد اليابان لإطلاق أكبر مبادرة لوجستية لها في أفريقيا، في خطوة تعد امتدادًا لرؤيتها الاقتصادية والأمنية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
ومن المقرر أن تعلن طوكيو عن المشروع خلال مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في أفريقيا (تيكاد) في يوكوهاما، الذي يبدأ يوم الأربعاء ويستمر حتى 22 أغسطس/آب، حسبما أفادت صحيفة نيكي الاقتصادية.
تهدف اليابان إلى إنشاء شبكة لوجستية ضخمة تربط الهند والشرق الأوسط بأفريقيا، لضمان تدفق المنتجات الصناعية والموارد المعدنية الحيوية.
وتعتمد طوكيو على المساعدات الإنمائية الرسمية لدعم تطوير المواني والطرق في شرق أفريقيا، بما يسهم في زيادة الشحن البحري وتحفيز الطلب في الأسواق الأفريقية الناشئة.
ويرى الباحث أحمد حسني، المتخصص في الشؤون الآسيوية، أن "إطلاق شبكة لوجستية تربط المحيط الهندي، الذي تمر عبره نحو 60% من التجارة العالمية، بأفريقيا، سيمنح اليابان قدرة أكبر على التحكم في مسارات التجارة البحرية، ما يعزز مكانتها في التوازن الاقتصادي والأمني بالمنطقة.
وأوضح في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، أن وجود موانٍ وممرات مدعومة من طوكيو سيجعلها لاعبًا أساسيًا في حركة السلع والموارد، وهو ما يضعها في موقع منافس مباشر للصين التي توسعت عبر مبادرة الحزام والطريق.
وأضاف حسني أنه يُتوقع أن يسهم ذلك في خلق توازن استراتيجي في المحيطين الهندي والهادئ، حيث تزداد أهمية تأمين الممرات البحرية وحمايتها من التوترات أو النفوذ الأحادي".
المواني الأساسية في الخطة تشمل ميناء ناكالا في موزمبيق وميناء مومباسا في كينيا، اللذين يخضعان حاليًا لتحسينات بدعم من الوكالة اليابانية للتعاون الدولي. ومن المخطط أيضًا إنشاء ممرات تربط المناطق الداخلية بالمواني، لتسهيل حركة البضائع والخدمات اللوجستية.
تواجه اليابان تحديات داخلية تشمل انخفاض عدد السكان ونقص الموارد الطبيعية، ما يجعل من أفريقيا شريكًا تجاريًا جذابًا.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن عدد سكان القارة سيصل إلى 2.5 مليار نسمة بحلول عام 2050، ما يشكل ربع سكان العالم. كما تمتلك بعض الدول الأفريقية معادن نادرة ضرورية لتصنيع الإلكترونيات، وهو ما يجعل الاستثمار في البنية التحتية أمراً حيوياً لتأمين الموارد.
ويقول حسني: "بلغ حجم صادرات اليابان إلى جنوب أفريقيا نحو 2.1 مليار دولار في 2024، كما تعهدت طوكيو بتقديم مساعدات تنموية إلى أفريقيا بقيمة 30 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات، ما يعكس رغبتها في توسيع أسواقها وتعزيز روابطها مع القارة".
وبالتوازي، تشكل الشراكة مع الهند، صاحبة ناتج محلي يتجاوز 3.7 تريليون دولار، محورًا استراتيجيًا جديدًا يمتد من آسيا إلى أفريقيا. غير أن هذا التوسع قد يثير منافسة أشد مع الصين، التي ما تزال تسيطر على ما بين 60% و70% من إنتاج المعادن النادرة عالميًا، وتعتبر أفريقيا جزءًا أساسيًا من مبادرة الحزام والطريق.
وأشار حسني إلى أن هذه الخطوات اليابانية قد تعزز نفوذها الاقتصادي، لكنها في الوقت نفسه تزيد من احتمالية التصعيد الجيوسياسي في المنطقة
يأتي هذا المشروع ضمن جهود طوكيو لتعزيز الأمن الاقتصادي وضمان إمدادات مستقرة للموارد الاستراتيجية.
وتسعى اليابان من خلال هذا المشروع إلى مواجهة تحديات ضعف البنية التحتية في القارة، وتطوير موانٍ قادرة على استقبال السفن الضخمة وطرق تربط المناطق الداخلية بالمواني.
ويخطط رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا لمناقشة رؤية المنطقة الاقتصادية الجديدة مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي خلال زيارته لليابان نهاية الشهر الجاري.
وتعكس هذه التحركات حرص طوكيو على تعزيز التعاون مع الدول الأفريقية والشركاء في الهند والشرق الأوسط، ضمن إطار "منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة"، وهو المفهوم الذي تروج له اليابان منذ العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين لتعزيز الاستقرار الاقتصادي والأمني في المنطقة.
ولفت حسني إلى أنه بما أن أفريقيا تحتضن ما يقارب 30% من الاحتياطيات العالمية من المعادن النادرة مثل الكوبالت والليثيوم والمنغنيز، فإن الاستثمار في موانٍ وممرات لوجستية في شرق القارة يمنح طوكيو مسارات بديلة ومستقرة للحصول على هذه الموارد.
ويُعد هذا أمرا جوهريا لأن الصناعات الإلكترونية والسيارات عالية التقنية، التي تعتمد بشكل كبير على هذه المعادن، تمثل أكثر من 25% من صادرات اليابان، ولذا فإن الخطة ليست مجرد مشروع تنموي، بل آلية استراتيجية لمعالجة نقاط الضعف الداخلية المرتبطة بالموارد.
يُنظر إلى هذه الخطة اليابانية على أنها خطوة ذكية لتعزيز نفوذ طوكيو في القارة الأفريقية، وفتح أسواق جديدة للشركات اليابانية، وتأكيد حضورها في محور عالمي يتضمن الهند والشرق الأوسط.
ومع النمو السكاني والاقتصادي المتوقع لأفريقيا، من المتوقع أن تصبح هذه المبادرة حجر زاوية في استراتيجية اليابان طويلة الأمد لتأمين الموارد الحيوية وتعزيز مكانتها الاقتصادية على المستوى الدولي.