تُواجه اليابان اليوم اهتزازًا غير مسبوق في مركزها السياسي، وسط تراجع التماسك الداخلي وغياب القيادة السياسية القوية، عقب خسارة الحزب الليبرالي الديمقراطي، الذي أمسك بزمام الحكم لما يقرب من سبعين عامًا، ثقله البرلماني في انتخابات مجلسي النواب والشيوخ، ومعه شريكه في الائتلاف "حزب كوميتو".
وبحسب "فورين أفيرز"، فإن التحالف الحاكم لأول مرة يجد نفسه في مقاعد الأقلية، فيما يحقق حزب "سانسيتو" الشعبوي اليميني صعودًا لافتًا، مضاعفًا مقاعده من مقعد واحد إلى أربعة عشر على خلفية خطاب معادٍ للأجانب.
من الجدير بالذكر أن الحزب الليبرالي الديمقراطي (LDP)، الذي حكم اليابان لسبعة عقود تقريبًا، تكبد خسائر موجعة في انتخابات مجلسي النواب والشيوخ، إلى جانب تراجع شريكه "كوميتو"، والأخطر أن حزبًا يمينيًا شعبويًا – "سانسيتو" – نجح في تحقيق اختراق انتخابي بفضل خطابٍ مناهض للأجانب؛ ما يعكس تنامي النزعة الانعزالية.
وتكشف مصادر أن الأزمة تفاقمت مع فضائح التمويل داخل الحزب الحاكم، التي أجبرته على حلّ نظام "الفصائل" التقليدي، لكنه في المقابل فقد آلية إدارة صراعاته الداخلية؛ ما أدى إلى انقساماته الحالية.
وترى "فورين أفيرز" أن التضخم المتسارع، وتراجع قيمة الين، وسياسات الحكومة غير المقنعة مثل المنح النقدية المحدودة، كلُّها عمقت فجوة الثقة بين الناخبين والسلطة، إلى جانب تصاعد نفوذ وسائل التواصل الاجتماعي، الذي سمح لأحزاب صغيرة وشعبوية بالوصول مباشرة إلى الناخبين وتعبئة الغاضبين من السياسات الاقتصادية والهجرة المتزايدة.
وجاء في السياق أن هذا الضعف الداخلي انعكس مباشرة على موقع اليابان الدولي؛ فطوكيو تجد نفسها في لحظة مفصلية مع الولايات المتحدة، خاصة بعد توقيع اتفاق تجاري مثير للجدل فرض تعريفاتٍ جمركيةً على السلع اليابانية وألزمها باستثمارات ضخمة داخل الاقتصاد الأمريكي بشروط غامضة وغير متوازنة.
ومع قيادة ضعيفة، تكافح اليابان لتفسير هذه الاتفاقيات للرأي العام الداخلي، وللتعامل مع إدارة أمريكية متقلبة تهدد بإعادة رسم قواعد التحالف الأمني والاقتصادي.
ويعتقد الخبراء أن غياب القيادة القوية في اليابان لا يؤثر على الداخل فحسب، بل يترك فراغًا في آسيا؛ فمن دون مركز سياسي مستقر في طوكيو، سيكون من الأصعب مقاومة النفوذ الصيني، أو الحفاظ على زخم التعاون الإقليمي في التجارة الحرة وأمن الممرات البحرية.
كما أن أي ميل ياباني نحو الانغلاق سيضعف قدرتها على جذب العمالة الماهرة وتجاوز أزمتها الديموغرافية؛ ما يهدد اقتصادها طويل المدى.
ويدعو التقرير الأحزاب الرئيسة في اليابان إلى تنفيذ إصلاحات سياسية حقيقية، ورؤية اقتصادية تتماشى مع مرحلة التضخم الراهن، إضافة إلى تجسير الهوة بين الأجيال، وتجنب الانزلاق خلف خطاب اليمين المتطرف، إذا أرادت إعادة بناء ثقة الداخل واستعادة دورها الدولي.
اليابان اليوم أمام مفترق طرق؛ فإما أن تُعيد ترميم بيتها السياسي الداخلي وتواصل دورها كقوة استقرار في عالم متقلب، أو تترك فراغًا استراتيجيًا قد تعجز المنطقة والعالم عن تعويضه.