شكّل مكان الجولة الثانية من محادثات الولايات المتحدة وإيران، عقدة أخرى تضاف إلى عُقد كثيرة تواجه مفاوضات يشكو الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب أنها "تسير ببطء"، لكن قبل تصاعد الأزمة كانت طهران تقدم تنازلًا جديدًا، يؤكد تمسكها بالمضي في خيار التفاوض.
وعقدت الجولة الأولى من المفاوضات الهادفة لكبح التطور السريع للبرنامج النووي الإيراني، في العاصمة العُمانية مسقط، نهاية الأسبوع الماضي، وفور انتهائها، أكد مصدر إيطالي وآخرون أن الجولة القادمة ستُعقد في روما، لكن طهران سارعت إلى نفي تلك الأنباء، مصرّة على أن الجولة القادمة ستُعقد مجددًا في عُمان.
ليشتكي ترامب من "بطء" المحادثات ومحاولات الإيرانيين أن "يُجروننا إلى جانبهم"، وفق تصريح له من البيت الأبيض، فيما اعتبرت طهران عبر المتحدث باسم وزارة الخارجية، إسماعيل بقائي، أن تغيير مكان انعقاد المحادثات النووية "أشبه بتغيير القواعد لصالحهم (الأمريكيين)"، محذرًّا من أن ذلك سيعرّض المفاوضات للخطر.
لكن طهران انصاعت أخيرًا، إذ أقرت وسائل إعلامها أن الجولة الثانية ستُعقد في روما، وهو يفسره مراقبون بحرص إيران على استمرار المفاوضات، خشية أن يؤدي تعثّرها إلى "غضب" الرئيس الأمريكي، الذي يواصل إطلاق تصريحات الوعيد، والحديث عن "بدائل أخرى" ستواجهها إيران.
كما أن إفراط المسؤولين الأمريكيين بالتلويح بالخيار العسكري إذا فشلت المفاوضات، وأن النظام الإيراني سيواجه "خطرًا كبيرًا" بعث برسائل جديّة إلى طهران، التي تحاول تجنّب التصعيد، وترى في المحادثات مع أمريكا فرصة لتخفيف سياسة الضغوط القصوى التي تمارسها تل أبيب وواشنطن.
ويأتي نقل المفاوضات إلى روما كخطوة ضغط جديدة من واشنطن على طهران، التي يمثل انصياعها لذلك دليلًا على تمسكها بالمسار التفاوضي وأخذها التهديدات الأمريكية بالتصعيد حال فشل المفاوضات على محمل الجد.
كما يمثل نقل مكان المفاوضات، رمزية للحكومة الإيطالية اليمينية بقيادة جورجيا ميلوني المقربة من إدارة الرئيس دونالد ترامب والمؤيدة لسياساته.
ويرى مطلعون على المحادثات، أنّ مصلحة إيران في مواصلة المفاوضات، والتنازل الأول عن مكان انعقاد الجولة الثانية، قد لا يكون الأخير، خصوصًا مع تسريبات تحدثت عن رغبة طهران في الوصول إلى اتفاق مؤقت.
وكان موقع "أكسيوس" الأمريكي نقل عن مصادر قولها إن الإيرانيين يعتقدون أن التوصل إلى اتفاق نووي معقد وعالي التقنية في غضون شهرين أمر غير واقعي، ويريدون الحصول على مزيد من الوقت لتجنب التصعيد، وهو ما يؤكد أن عامل الوقت كان أحد أسباب تنازل إيران عن إصرارها على عقد الجولة الثانية في مسقط.
التنازلات الإيرانية بدأت مبكرًا، وقبل بدء المفاوضات، إذ كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأسبوع الماضي أن مسؤولين إيرانيين كبارًا ضغطوا على المرشد الأعلى علي خامنئي للموافقة على المفاوضات لتجنب ما يُطلق عليه معهد دراسات الحرب حربًا على جبهتين: ضد الولايات المتحدة وضد الشعب الإيراني.
وتشكل الاضطرابات الداخلية المتصاعدة، عامل ضغط إضافي على النظام الإيراني للمضي قدمًا في مفاوضات، التي تبدو مصلحة إيرانية أكثر منها أمريكية، فبعد سنوات من العقوبات المشددة يبدو اقتصاد البلاد على شفا انهيار كبير، من التضخم، إلى ارتفاع معدلات البطالة؛ ما أجج غضبًا شعبيًا واسع النطاق.
ويعتقد مراقبون أن المفاوضات هي فرصة النظام لإنقاذ نفسه، ولتجنب المواجهة مع الولايات المتحدة، ثم تخفيف العقوبات الذي يخفض بالتالي من التوترات الداخلية التي تمثّل تهديدًا وجوديًا لنظام الولي الفقيه القائم منذ 46 عامًا.