logo
العالم

"السلام عبر القوة".. معادلة أوروبا المعقدة في الحرب الروسية الأوكرانية

"السلام عبر القوة".. معادلة أوروبا المعقدة في الحرب الروسية الأوكرانية
آثار وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانيةالمصدر: (أ ف ب)
30 أغسطس 2025، 7:10 ص

لم يعد شعار "السلام عبر القوة" مجرد تعبير سياسي متداول في الأروقة الأوروبية، بل أصبح الإطار الذي تحاول من خلاله العواصم الغربية صياغة رؤيتها لإنهاء الحرب الروسية–الأوكرانية، خاصة بعد أن بات واضحًا أن القارة العجوز ترى في دعم كييف عسكريًا واقتصاديًا الطريق الوحيد لوقف تمدد موسكو وفرض معادلة ردع تُجبر الكرملين على التفاوض.

منذ اندلاع الحرب، اعتبرت العواصم الأوروبية أن المعركة تمس أمنها القومي بشكل مباشر، فسارعت إلى ضخ مليارات اليوروهات في صندوق المساعدات العسكرية لكييف، وتزويدها بأنظمة دفاع جوي متطورة وطائرات مسيّرة، بالإضافة إلى تدريب عشرات الآلاف من الجنود الأوكرانيين.

لكن هذه الاستراتيجية الأوروبية واجهت انتقادات متكررة، باعتبارها "بطيئة وغير كافية"، خاصة مع استمرار روسيا في اختبار صبر الغرب من خلال التصعيد الميداني.

في المقابل، تباينت المواقف داخل أوروبا بشأن الخطوة الأكثر حساسية، وهي نشر قوات على الأراضي الأوكرانية، بعد تبنّي فرنسا وبريطانيا ما يسمى بـ"ائتلاف الراغبين"، الذي يضم نحو 30 دولة، أبدت بعضها استعدادًا مبدئيًا لنشر وحدات عسكرية محدودة في مواقع استراتيجية.

إلا أن هذه الفكرة اصطدمت بتحفّظ كل من ألمانيا وإيطاليا وبولندا، وسط مخاوف من الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع موسكو، في ظل غياب دور عسكري أمريكي واسع.

وقد أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إحياء مبدأ "السلام عبر القوة"، إلا أن تركيزه انصبّ على تحميل الأوروبيين العبء الأكبر، مع الاكتفاء بالدعم الاستخباراتي والجوي. وتعتبر موسكو أن هذا النهج لا يعني سوى مزيد من التصعيد، مُتمسّكة بمطلب "نزع سلاح أوكرانيا" وضمان حيادها.

وبين هذا وذاك، يبقى السؤال الأبرز: هل يقود "السلام عبر القوة" إلى نهاية الحرب الروسية–الأوكرانية، أم أنه سيكون مدخلًا لتصعيد عسكري جديد بين القارة العجوز وموسكو خلال الأيام المقبلة؟

فرض السلام بالقوة... هل ينجح؟

في هذا السياق، قال العميد نضال زهوي، الخبير العسكري، إن التجارب السابقة في التفاوض والوساطات الدولية لحل النزاعات تؤكد أن فرض السلام بالقوة لا يؤدي إلى سلام حقيقي، بل يُعد بمثابة استسلام من الطرف الآخر، وأن هذا النوع من السلام ينهار بمجرد تغيّر موازين القوى؛ ما يؤدي إلى تجدد الصراع.

وأضاف زهوي، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن الرؤية الروسية لفرض السلام بالقوة ترتبط بالحصول على ضوء أخضر أمريكي لبحث مسألة تبادل الأراضي، إلا أن موسكو تسعى في الوقت نفسه إلى تحسين شروط التفاوض عبر احتلال مساحات أوسع من أوكرانيا، خاصة بعد سيطرتها على مناطق في الدونباس ومحاولاتها فرض حصار على مدينة خاركوف، التي تُعد مدينة علمية مهمة في أوكرانيا، رغم أن سكانها يتحدثون الروسية.

وأشار زهوي إلى أن منطقة الدونباس تُعد استراتيجية وحيوية للغاية بالنسبة لأوكرانيا، إذ إن السيطرة الروسية عليها – أو حتى استقلالها عن كييف – تمنح موسكو قدرة على فرض هيمنة نارية على مدينة أوديسا، وبالتالي خنق أوكرانيا بالكامل من ناحية سلاسل التوريد نحو الشرق الأوسط، الذي يُعد من أبرز مستوردي المنتجات الزراعية الأوكرانية مثل الحبوب والزيوت.

كما لفت إلى أن الضغط الروسي من جهة خاركوف، سواء من خلال احتلالها أو فرض حصار عليها، يهدف إلى انتزاع اعتراف دولي بضم الدونباس. ومع ذلك، فإن الحديث عن تبادل أراضٍ بين أوكرانيا وروسيا لا يحمل نفس الأهمية، لأن المناطق في شمال أوكرانيا تختلف جذريًا عن مناطق الشرق، التي تبقى الأكثر حيوية واستراتيجية بالنسبة لكييف.

وأكد العميد نضال زهوي أن الدعم الأوروبي لأوكرانيا يتزايد نتيجة هذه التطورات، وحتى لو حاولت الولايات المتحدة فرض حل للنزاع حاليًا، فلن يكون قادرًا على تثبيت سلام دائم في المستقبل، "وفقًا للمبادئ العلمية التي تعلمناها في الجامعات"، بحسب تعبيره.

المفاوضات.. الخيار الوحيد المتاح

من جانبه، أكد رامي القليوبي، الأستاذ بكلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، أن الوصول إلى السلام بين روسيا وأوكرانيا لا يمكن أن يتم عبر القوة العسكرية، بل عبر تسوية تفاوضية تضمن مصالح الطرفين، وتضع حدًا لاستنزاف الموارد والأرواح المستمر منذ أكثر من عامين.

وتابع القليوبي: "باعتقادي، لن يكون هناك سلام عبر القوة. السلام يجب أن يكون عبر المفاوضات. وقد يكون الطرح الذي ذكرته صحيحًا لروسيا في المرحلة ما قبل السلام، لكن المرحلة النهائية من اتفاق وقف إطلاق النار يجب أن تكون على طاولة المفاوضات، مع تحديد خطوط تماس واضحة يتم وقف إطلاق النار عندها".

وأوضح القليوبي أن العقبة الأساسية أمام أي تسوية سياسية تتمثل في عجز كل من روسيا وأوكرانيا حتى الآن عن تحقيق نصر عسكري حاسم، مما يجعل المفاوضات الخيار الواقعي الوحيد، رغم أن الظروف اللازمة لذلك لم تنضج بعد.

وأضاف أن موسكو ترى أنها تُحرز تقدمًا تدريجيًا على الأرض، بينما تراهن كييف على استمرار الدعم الغربي، خاصة من أوروبا، مؤكدة أن دفاعاتها لم تنهَر بعد؛ ما يُبقي الأمل قائمًا لديها في تغيير موازين المعركة.

وأشار إلى أن كلا الطرفين يراهن على عامل الوقت، وهو ما يُطيل أمد الحرب؛ إذ تستفيد روسيا من تفكك الإرادة الغربية وتراجع دعم بعض الدول الأوروبية لأوكرانيا، في حين تأمل كييف في نتائج انتخابات الكونغرس المقبلة، التي قد تُعيد زخم الدعم العسكري والسياسي الأمريكي.

أخبار ذات علاقة

المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا

روسيا تحذر من الضمانات الأمنية الغربية لأوكرانيا

 وتابع: "في ظل هذا الجمود، من المرجّح استمرار النزاع لعدة أشهر أخرى على الأقل، مع احتمال توسّع العمليات في مناطق جديدة، ما لم يحدث اختراق دبلوماسي مفاجئ".

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC