كشف تأجيل حكومة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر البتّ في قرار إنشاء "السوبر سفارة" الصينية في لندن، عن تصاعد مواجهة خفية بين أجهزة الاستخبارات البريطانية وبكين، وسط اتهامات بأن المشروع يخفي بنية تجسس متقدمة قد تشعل حربًا باردة جديدة في قلب أوروبا.
ونشرت "تلغراف" في تقريرٍ لها، أن ذلك يأتي بعد أن أعلن المتحدث باسم الخارجية الصينية لين جيان أن بلاده تشعر بـ"قلق بالغ واستياء شديد"، متّهمًا الحكومة البريطانية بانتهاك "روح التعاقد"، والتصرّف بـ"سوء نية ومن دون نزاهة".
وكشفت مصادر أن لندن قررت تأجيل البتّ في المشروع حتى الـ10 من ديسمبر المقبل، بعد أن كان مقررًا أن يُحسم في الـ9 من سبتمبر، في خطوة اعتبرتها بكين إخلالًا بالاتفاقات السابقة وإشارة إلى أن المملكة المتحدة تخضع لضغوط سياسية وأمنية داخلية.
ويرى مراقبون أن القضية أخذت بعدًا أمنيًا حادًا بعد تصريحات مثيرة من المستشار السابق لبوريس جونسون، دومينيك كامينغز، الذي قال إنه تلقّى تحذيرات "صريحة" من جهازي الاستخبارات MI5 وMI6 تُفيد بأن الصين تخطط لبناء "قاعدة تجسس تحت الأرض" في موقع السفارة الجديدة.
بدوره كامينغز كشف أن الأجهزة الأمنية حذّرته من أن الموقع المقترح يمرُّ أسفله عدد من الكابلات التي تربط مؤسسات مالية حساسة في لندن، وأن السماح للمشروع "سيكون بمنزلة تسليم مفاتيح المدينة لبكين".
وبدأت القصة حين أعادت الصين تقديم مخطط مشروع السفارة بعد رفضه من مجلس "تاور هامليتس" أثناء حكم المحافظين، وعقب تولي حزب العمال السلطة، أعادت بكين الضغط للموافقة عليه، بل إن الرئيس شي جين بينغ أثار الموضوع في أول اتصال له مع ستارمر.
لكن وزيرة الإسكان السابقة أنجيلا راينر أرجأت القرار مرتين بعدما لاحظت أن الصين "حجبت" أجزاء من المخطط الأصلي؛ ما أثار شكوكًا حول نواياها، وطالبت راينر بكين بتفسير رسمي، غير أن الأخيرة رفضت بحجة أن "المعلومات المقدمة كافية".
وجاء التأجيل الأخير أيضًا في ظل تصاعد التوتر بين البلدين بسبب قضية التجسس التي انهارت مؤخرًا في المحاكم البريطانية، والمتعلقة باتهام شخصين بنقل معلومات حساسة إلى الحزب الشيوعي الصيني.
من جانبها ردت الصين على ذلك باتهام الحكومة البريطانية بـ"تشويه صورتها" و"نشر الأكاذيب"، فيما اتهمت بعض الأوساط السياسية في لندن، السفارة الصينية بـ"محاولة بناء وكر تجسس" تحت ستار الدبلوماسية.
وفي خلفية المشهد، بحسب مصادر، تحاول حكومة ستارمر موازنة علاقتها مع بكين بين الضرورات الاقتصادية وضغوط الأجهزة الأمنية؛ فبينما تسعى لندن إلى تعزيز وجودها الدبلوماسي في بكين، تجد نفسها مضطرة إلى تأجيل قرار يمكن أن يكلّفها مواجهة مفتوحة مع الصين، خصوصًا بعد تلويح الأخيرة بـ"تحميل بريطانيا كلّ العواقب".
لكن يبقى السؤال معلّقًا: هل المشروع الدبلوماسي الصيني مجرد توسعة طبيعية لعلاقات القوة الصاعدة مع أوروبا، أم أنه جزء من بنية استخباراتية أعمق تمتد تحت شوارع لندن نفسها؟