مع إعلان رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، استعداد بلاده للمساهمة في عملية نزع سلاح حركة حماس استنادًا إلى تجربتها في أيرلندا الشمالية، تبرز تساؤلات حول إمكانية تطبيق هذا النموذج في قطاع غزة.
وتتزامن تصريحات ستارمر في البرلمان البريطاني أمس الثلاثاء، مع تغيرات إقليمية كبيرة أبرزها خطة السلام التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووقعتها أطراف دولية في شرم الشيخ بمصر، فهل ستنجح المبادرة البريطانية أمام عقبات ميدانية كبيرة في غزة؟
العديد من المحللين يرون صعوبة في تطبيق الإستراتيجيات ذاتها التي كانت ناجحة في أيرلندا الشمالية على الوضع الفلسطيني، فبينما كان الجيش الجمهوري الأيرلندي جماعة مسلحة مع مطالب قومية في إطار صراع داخلي، فإن حركة حماس تسيطر على غزة منذ نحو عقدين، ولها بنية عسكرية ومدنية معقدة تجعل عملية نزع سلاحها أمرًا معقدًا، ربما ينجح في حال ضغْط أطراف عربية ودولية على الحركة التي وقعت على اتفاق يتضمن نزع سلاحها وخروجها من السلطة.
ويرى المحلل السياسي في مركز الدراسات الإستراتيجية بالجامعة الأردنية، بلال العضايلة، أن تجربة أيرلندا الشمالية لا يمكن نقلها حرفيًّا إلى غزة؛ بسبب الاختلافات الجوهرية بين الجانبين، موضحًا أن الجيش الجمهوري الأيرلندي لم يسيطر على مؤسسات مدنية كما تفعل حماس؛ ما يجعل العملية السياسية أكثر تعقيدًا في غزة.
وأضاف العضايلة في حديث لـ"إرم نيوز" أن نجاح أي خطة يعتمد على فصل السلاح عن السلطة التنفيذية، وإقامة مؤسسات حكم مدني شفافة وقابلة للمساءلة، ودعم المجتمع الدولي بخاصة في إعادة إعمار غزة، وتأمين فرص اقتصادية طويلة الأمد لشباب القطاع، بهدف تقليل قاعدة الدعم للمجموعات المسلحة.
وأكد العضايلة أن خطة نزع السلاح يجب أن تكون جزءًا من إستراتيجية شاملة تشمل وقفًا دائمًا للأعمال القتالية، ورفع القيود على المساعدات الإنسانية، ودعم السلطة الفلسطينية لتفادي فراغ سياسي يعزز التطرف.
وعن مدى إمكانية نقل تجربة أيرلندا إلى غزة، يرى المحلل السياسي محمد الشياب أن الأمر يتوقف على مسألتين: الأولى تتعلق بوجود سلطة مدنية قادرة على فرض سيطرتها، والثانية تتعلق في بنية اجتماعية واقتصادية متدهورة تؤثر في نجاح أي خطة نزع سلاح.
وأشار الشياب في حديث لـ"إرم نيوز" إلى أن تصريحات ستارمر عن مساهمة بريطانيا واقتراح نزع السلاح يجب أن ترافقها خطوات قانونية وإصلاحية محلية ودولية، محذرًا من أن التركيز على السلاح وحده قد يؤدي إلى تفاقم الفراغ السياسي وزيادة احتمالات العنف.
وقال الشياب إن دور بريطانيا سيظل مرتبطًا بشكل وثيق بالخطة الأمريكية؛ ما يضع لندن في موقف ثانوي يعتمد على واشنطن، مشددًا على أن الحل النهائي يجب أن يضم إستراتيجية أمنية متكاملة، وبرامج عدالة انتقالية، وإطارًا إقليميًّا يدعم السلام المستدام، مع تأكيد الشفافية في تمويل إعادة الإعمار ومشاركة المجتمع المحلي.
وكان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، استعرض أمام مجلس العموم خبرة بلاده في حل النزاع في أيرلندا الشمالية، مشيرًا إلى أن بريطانيا مستعدة للمساعدة على نزع سلاح حركة حماس بالاعتماد على هذا النموذج، رغم تعقيد المهمة، قائلًا "كان الأمر صعبًا في أيرلندا الشمالية، لكنه حيوي، ونحن مستعدون لدعم عملية نزع السلاح بناءً على خبرتنا".
وأكد ستارمر أن المملكة المتحدة لعبت دورًا مهمًّا خلف الكواليس في التفاوض على اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة، وأن بلاده ستستضيف قمة دولية للمساعدة على إعادة إعمار القطاع، وستعمل مع السلطة الفلسطينية لدعم الحكم الانتقالي، بالإضافة إلى المساهمة في مراقبة وقف إطلاق النار ونزع سلاح حركة حماس.
وبدأ النزاع في أيرلندا الشمالية بعنف استمر لأكثر من ثلاثة عقود، قبل أن تتجه الأطراف نحو حوار سياسي شامل، توصل إلى اتفاق معروف بـ"الجمعة العظيمة" عام 1998 وأدى إلى إصلاحات كبيرة شملت إصلاح الشرطة، والإفراج عن السجناء السياسيين، ونزع سلاح الجماعات شبه العسكرية.
ولعب جوناثان باول، مستشار ستارمر للأمن القومي والعقل المدبر لاتفاق السلام في أيرلندا، دورًا محوريًّا في إنهاء العنف، حيث عمل على بناء ثقة بين الأطراف وتطبيق مراقبة دولية لضمان تنفيذ الاتفاق.
وفي غزة، طرح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خطة من 20 نقطة للسلام، تشمل نزع سلاح حركة حماس، وإنشاء "مجلس سلام" للإشراف على حكم غزة، وأكد أن الحركة وافقت على التخلي عن سلاحها، محذرًا من أن نزع السلاح قد يتم بالقوة إذا لزم الأمر.