وزير الخارجية المصري يحذر من خطورة توسع العمليات العسكرية في غزة واستمرار استخدام التجويع كسلاح
تصاعدت المخاوف، بشكل لافت في الآونة الأخيرة، من صعود أحزاب "اليمين المتطرف"، ما رأى فيه البعض بمثابة خطر يقضّ مضاجع الأوروبيين "الساعين للديمقراطية".
واعتبر متابعون للشأن الأوروبي، في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، أن الخوف يتعلق أساساً بثلاثة ملفات هامة، وهي: حرب غزة، وملف اللاجئين، والعلاقة مع منطقة الشرق الأوسط.
إحساس تجدد عند الأغلبية بعد فوز "تاريخي" لهذا التيار المتشدد في انتخابات البرلمان الأوروبي، مؤخراً، وزيادة عدد مقاعده الدبلوماسية في هيئة تشريعية تُعد مهمة جداً في "القارة العجوز".
وشملت انتخابات البرلمان الأوروبي 27 دولة، وهي مجموع دول الاتحاد الأوروبي، الذي يصل تعداد سكانه إلى 450 مليون نسمة، بمشاركة نحو 360 مليون ناخب لهم حق الانتخاب لإيصال ممثليهم إلى مقاعد البرلمان في بروكسل..
فما المأمول من البرلمان الأوروبي بشأن حرب غزة؟ وهل يمكن للقيادة الجديدة أو التشكيل الجديد أن يكون ذا قدرة على التأثير على القرار العالمي لحل القضية الفلسطينية؟ وما حقيقة الشكوك بشأن مستقبل السياسة الخارجية لأوروبا فيما يتعلق بملف اللجوء؟ وكيف يؤثر ذلك على سياسة أوروبا تجاه الشرق الأوسط؟.
ملف غزة "المتأزم"
ما يخفف من فوز "اليمين المتطرف"، هو أن التكتلات الرئيسة، مثل حزب الشعب الأوروبي، والاشتراكيين والديمقراطيين، و"تجديد أوروبا"، لا تزال تحافظ على الأغلبية في البرلمان الأوروبي.. فكيف سيؤثر ذلك على ملف غزة؟
يقول كمال الجفا، المتخصص في الشؤون السياسية والعسكرية: "تنقسم التيارات القومية في وسط وغرب أوروبا حول سبل التعاطي مع ملف غزة وبشكل متفاوت؛ ففي حين ترفض بعض التيارات القومية وسط أوروبا وجهات النظر الإسرائيلية والسياسات الاستيطانية والحرب في غزة بل وتتهمها، مع النخبة اليهودية العالمية بالقيام بعمليات إبادة جماعية وتهجير واستعباد الفلسطينيين والسيطرة على توجهات الحكومة الأمريكية بالدعم المطلق للإسرائيليين، نجد أن دول غرب أوروبا مؤيدة في معظمها لإسرائيل".
ويضيف الجفا لـ"إرم نيوز": "يأتي هذا انطلاقاً من اعتقاد دول الغرب بأن التهديدات التي تواجه الأمن الإسرائيلي والأوروبي، تنبع من الإسلام السياسي المتشدد الذي اجتاح المنطقة مؤخراً، وأنهم يحاربون نفس العدو، إن كان حماس أو حزب الله أو باقي التنظيمات المتشددة في العراق واليمن، والتي تعتبر إسرائيل العدو الأول، ما يدفعهم إلى دعم إسرائيل بشكل مطلق وحتى مساعدتها في تدمير هذه المجموعات".
بينما يقول الباحث في منتدى الشرق الأوسط بلندن أحمد عطا، لـ"إرم نيوز"، إن "أزمة غزة بعيدة تماماً عن توجهات واهتمامات أحزاب اليمين المتطرف، باعتبار أن اللاجئين في أوروبا هم الهدف الأساسي لتوجهات تلك الأحزاب، بهدف المحافظة على أوروبا واستعادة هويتها الثقافية".
هجوم نيوزيلندا يبرز انتقال رد فعل اليمين المتطرف في كافة أنحاء أوروبا من رد فعل سياسي إلى رد فعل مسلح تجاه المسلمين.أحمد عطا
السياسات الأوروبية و"ملف الشرق الأوسط"
ولا يتفق الخبير السياسي أحمد عطا مع الشكوك بشأن وجود مخاوف تجاه منطقة الشرق الأوسط، "لأن اليمين المتطرف يحاول استعادة أوروبا من أيدي المهاجرين، وكذلك استعادة الثقافة الأوروبية، بينما تبقى المصالح السياسية والاقتصادية بين أوروبا والشرق الأوسط".
ويؤكد عطا أن "اليمين المتطرف سيركز على منطقة الشرق الأوسط من ناحية المصالح الاقتصادية والسياسية، التي هي في صلب أدبيات السياسة الدولية وفي أجندة اليمين المتطرف، فلديهم قناعة بأهمية المحافظة على مكتسبات أوروبا من الشرق الأوسط، وليس هناك ضرر تشكله تلك الأحزاب على منطقة الشرق الأوسط"، وفقاً لقوله.
ويضيف: "أي توجه معادٍ سياسياً لليمين فذلك مسألة أخرى، بدليل أن رئيسة الحكومة الإيطالية الحالية ميلوني، رغم أن حزبها من اليمين المتطرف وصعد عالياً، إلا أن لإيطاليا مصالح ممتازة داخل منطقة الشرق الأوسط".
ووفقاً للمحلل السياسي كمال الجفا، فإن "تصاعد المكاسب التي تحققها الأحزاب اليمينية في دول الاتحاد الأوروبي كان متوقعاً منذ سنوات، وهذه النتائج التي يتم تحقيقها لم تأتِ من فراغ، بل هي نتيجة تصاعد تدريجي للفكر اليميني المتطرف خلال السنوات السابقة".
ويؤكد: "تختلف درجة العلاقات بين دول الاتحاد الأوروبي وانخراطها في ملفات منطقة الشرق الأوسط، باختلاف خصوصية وسياسات كل دولة وعلاقاتها مع دول المنطقة، ولا توجد سياسة موحدة من قبل دول الاتحاد تجاه قضايا الشرق الأوسط مجتمعة، بسبب المصالح التي تربطها بدول المنطقة بشكل عام وكل دولة على حدة".
ويتابع الجفا: "لا تستطيع الحكومات الأوروبية أن تغير من واقع التحالفات مع العديد من دول الشرق الأوسط والثابتة منذ عشرات السنين، بل قد تسجل تقارباً كبيراً مع العديد من دول المنطقة".
المهاجرون في "خطر"
قد تقلل الاختلافات والانقسامات بين أحزاب "اليمين المتطرف" من تأثير هذا التيار في التأثير على القرار الأوروبي، إلا أن تلك الأحزاب تتبنّى عدة سياسات، منها مناهضة توسع روسيا، والسياسة الزراعية، والحد من الهجرة، وغيرها من قضايا المناخ، الأمر الذي يثير تساؤلات حول هذه الملفات في المرحلة القادمة.
وبعد "الزلزال السياسي" في أوروبا، قد تسير أوروبا سياسياً واقتصادياً واجتماعياً في الشأن المحلي في منحى مغاير لما كان سابقاً، ولاسيما في قضية المهاجرين، بعد خسارة القوتين الرئيستين في الاتحاد الأوروبي؛ المستشار الألماني أولاف شولتس، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ما يمثل تأثيراً كبيراً على المشهد السياسي في ألمانيا وفرنسا.
يقول الباحث السياسي كمال الجفا إن "طبيعة تلك السياسات من المتوقع أن تتخذ منحًى مختلفاً في ظل تصاعد سيطرة التيارات اليمينية في أوروبا، لأنها ستتخذ اتجاهاً قومياً أكثر تشدداً تجاه أزمات المهاجرين وطبيعة التعاطي معها، وهي البند الأساسي الذي تختلف عليه دول الاتحاد، لاسيما أن معظم المهاجرين من دول الشرق الأوسط، ويرتبط ذلك بتصاعد موجات الهجرة مع ازدياد وتيرة الحروب وعدم الاستقرار في دول المنطقة، وخاصة سوريا ولبنان وفلسطين والعراق وليبيا".
ويضيف: "تأتي على قمة أولويات التيارات اليمينية الأوروبية قضية هجرة مواطني دول منطقة الشرق الأوسط، وتدفق اللاجئين، إذ تتشارك غالبية تلك التيارات في رفض استقبال المهاجرين، ومنها أحزاب "البديل من أجل ألمانيا"، و"الجبهة الوطنية" في فرنسا، و"الحرية" في النمسا وهولندا، و"الشعب" في سويسرا، والتي تعتبر اللاجئين والمهاجرين المسلمين خطراً على المجتمعات الأوروبية يجب مواجهته".
علينا الانتظار حتى اكتمال خريطة تموضع وحصص الأحزاب اليمينية في دول الاتحاد الأوروبي ومدى قدرتها على إحداث تغيير جذري وكامل.كمال الجفا
ويوضح أنه "ستكون هناك سياسة جديدة وخطط جديدة ستعمل عليها دول الاتحاد ومنها غلق الحدود وتجفيف مصادر التمويل الحكومي وغيرها من الإجراءات ضد المهاجرين، والتضييق على المدارس الإسلامية، والتخلي عن الدور الإنساني للدول الأوروبية".
فيما يقول الباحث أحمد عطا إن "كافة أشكال اليمين المتطرف في أوروبا تشترك في أمرين، هما: معاداة المهاجرين من العرب والمسلمين الحاصلين على الجنسية الثانية، والثاني استعادة أوروبا من أيدي المهاجرين؛ فعندما هاجم شاب في نيوزيلندا مسجداً في منطقة كرايست تشيرتش وأوقع عدداً كبيراً من القتلى، انتقل رد فعل اليمين المتطرف في كافة أنحاء أوروبا من رد فعل سياسي إلى رد فعل عنيف تجاه المسلمين".
ويضيف: "هذا سبقه أعنف رد فعل سياسي لليمين المتطرف في فرنسا ومؤسسه جان ماري لوبان، الذي ظل يرفض كل ما يتعارض مع الثقافة الفرنسية، ويناهض وجود المهاجرين داخل فرنسا".
مستقبل "غير معلوم"
ويقول خبراء إن اليمين المتطرف يتنامى وسط مخاوف من أن يتجه نحو العنف في السنوات القادمة، كما توقع الأمن القومي الأمريكي في تقريره الصادر في 2015.
ويتابع الخبير كمال الجفا، قائلا: "علينا الانتظار حتى اكتمال خريطة تموضع وحصص الأحزاب اليمينية في دول الاتحاد الأوروبي ومدى قدرتها على إحداث تغيير جذري وكامل في سياسات الاتحاد تجاه قضايا ومآسي المنطقة، والتي ستكون لها تداعيات ليس على دول منطقتنا فحسب، بل على العلاقات مع روسيا والصين وحتى مع الولايات المتحدة الأمريكية، وستتناقض وتتصادم مع السياسات الأمريكية في العالم".