دخلت العلاقات الأمريكية – الإسبانية مرحلة جديدة من التوتر بعد تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب هاجم فيها مدريد واتهمها بالتقاعس عن الوفاء بالتزاماتها الدفاعية داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بل ذهب إلى حد القول إن إسبانيا "يجب أن تطرد من الحلف".
ويرى تييري براسبينينغ-بالزاك، أستاذ العلاقات الدولية والأمن بجامعة السوربون في باريس، أن تصريحات ترامب تأتي في إطار ضغوط سياسية متزايدة على حلفائه الأوروبيين لتعزيز الإنفاق الدفاعي قبل قمة الناتو المقبلة، لكنه يستخدمها أيضًا ورقة داخلية في حملته الانتخابية، لتصوير نفسه زعيمًا يفرض الانضباط على الحلفاء.
في المقابل، تحاول إسبانيا تجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع واشنطن، خاصة أن علاقاتها العسكرية مع الولايات المتحدة، التي تمتلك قواعد بحرية وجوية على الأراضي الإسبانية، تعد أساسية في منظومة الدفاع الغربي.
وقال براسبينينغ-بالزاك لـ"إرم نيوز" إن "تصريحات الرئيس ترامب الأخيرة تجاه إسبانيا تشكل اختبارًا مهمًا لحجم التضامن داخل الناتو"، موضحًا أن الدولة التي تقترح طرد عضو من الحلف لأسباب مالية تُثير تساؤلات جدّية حول مفهوم الالتزامات المشتركة والأمن الجماعي.
وأضاف بالزاك أن الدعوة إلى رفع الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي تم تبنّيها في قمة الناتو في لاهاي، لكن ليس للجميع نفس القدرة أو الأولوية، لافتًا إلى أن إسبانيا، مثلها مثل كثير من الدول الأوروبية، تواجه توازنًا بين احتياجات الدفاع وبين الضغوط الاجتماعية والميزانية.
وذكر الباحث السياسي الفرنسي: "ما يثير القلق هو أن مثل هذه التصريحات من رئيس الولايات المتحدة يمكن أن تقيّد التعاون العسكري والدبلوماسي، بل تؤثر على قناعة الدول الصغيرة والمتوسطة بأنها تُعامل بإنصاف".
وأوضح أن الناتو ليس مجرد ميزانية دفاعية، بل هو مشروع أمني جماعي يتطلب التزامًا موثوقًا من جميع الأطراف.
وتابع: "على أوروبا أن تبدأ في التفكير بآليات مستقلة لتعزيز قدراتها الدفاعية، بحيث لا يُصبح الالتزام بالنفقات العسكرية قرارًا يُخضع لضغوط خارجية فحسب".
وأشار إلى أن "أوروبا التي تريد أن تكون لاعبًا أمنيًا فاعلًا لا بد أن تحافظ على توازن بين القدرة الدفاعية والوظائف الحيوية للدولة الاجتماعية، كي لا تفقد مدلولات الشرعية في عيون مواطنيها".
وكان ترامب قال، في كلمة ألقاها مساء الخميس، إن "إسبانيا لا تبذل ما يكفي للدفاع عن نفسها ولا عن شركائها"، مضيفًا: "ليس لديهم أي عذر لعدم القيام بذلك، لكن لا بأس... بصراحة، ربما ينبغي طردهم من الناتو"، بحسب صحيفة "ويست فرانس" الفرنسية.
وسرعان ما ردت الحكومة الإسبانية على تصريحات ترامب، مؤكدة أن بلادها "عضو كامل العضوية وملتزم تمامًا" داخل الحلف.
ونقلت وكالة الأنباء الإسبانية عن مصادر حكومية قولها: "إسبانيا عضو فاعل وملتزم في الناتو، وتفي بأهداف القدرات الدفاعية على غرار الولايات المتحدة تمامًا".
وتنفق إسبانيا حاليًا نحو 2% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، وهو المعدل الذي كان معمولًا به قبل تعديل الهدف إلى 5%.
وأكدت مدريد أنها لن ترفع إنفاقها إلى هذا الحد، لكنها في الوقت ذاته ملتزمة بتعزيز قدراتها الدفاعية بما يتوافق مع الخطط المشتركة التي أقرّها الحلف.
وقال متحدث باسم وزارة الدفاع الإسبانية إن "كل دولة عضو في الناتو مسؤولة عن زيادة قدراتها العسكرية وفقًا لاحتياجاتها وخطط الدفاع الخاصة بها"، مشيرًا إلى أن "إسبانيا قادرة على بلوغ الأهداف التي حددها الحلف دون الحاجة إلى مضاعفة ميزانيتها الدفاعية".
كان ترامب قد عبر منذ سنوات عن استيائه من الدول الأوروبية الأعضاء في الناتو، واتهمها مرارًا بالاعتماد المفرط على الولايات المتحدة في الدفاع المشترك.
وفي يونيو/ حزيران الماضي، هدد الرئيس الأمريكي بفرض عقوبات تجارية على إسبانيا بسبب رفض حكومة بيدرو سانشيز زيادة ميزانية الدفاع، ووصفها حينها بأنها "تستفيد من الحماية الأمريكية دون مقابل".
وتظهر بيانات الناتو أن أكثر الدول إنفاقًا على الدفاع نسبةً إلى ناتجها المحلي هي تلك القريبة من روسيا، مثل بولندا (4.48%)، وليتوانيا (4%)، ولاتفيا (3.73%).
أما أكثر من ربع الدول الأعضاء، وبينها فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، فلا تزال دون هدف الـ2% الذي كان معمولًا به حتى عام 2024.