بوتين: أنتجنا غواصات جديدة بما فيها تلك القادرة على حمل صواريخ
مع رفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي – بشكل متكرر – كل المبادرات السلمية المطروحة، تزداد شراسة الحرب الروسية – الأوكرانية، وتبرز معادلة جديدة تقلب موازين الصراع، خاصة أن التوتر لم يعد مقتصرا على خط النار بين موسكو وكييف، بل تمدّد إلى قلب العلاقة بين واشنطن وحليفتها الأوكرانية.
ومع وصول دونالد ترامب مجددا إلى البيت الأبيض، أخذت السياسة الأمريكية منحى مغايرا، فتح الباب أمام روسيا لتتحرك بأريحية أكبر، وهو ما يضع الأوروبيين أمام معضلة جيوسياسية متفجرة.
وخلال الأسابيع الماضية، رفض فولوديمير زيلينسكي – بشكل متكرر – كل المبادرات السلمية المطروحة، وأحدثها رفضه دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لزيارة موسكو والتفاوض على تسوية دبلوماسية، كما رفض مقترحات بعض القادة الأوروبيين بإنشاء منطقة عازلة على الحدود مع روسيا.
ووفقا للمراقبين، يعكس هذا الرفض المتكرر تشددا متزايدا لدى كييف، ويضعها في الوقت نفسه في مواجهة مباشرة مع ضغوط حلفائها.
وتجلّى التحول الأبرز في واشنطن مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن أوكرانيا قد تقع «تحت السيطرة الروسية يوما ما»، وهو تصريح يعكس حجم التراجع عن الخطاب الأمريكي التقليدي الداعم بلا حدود لكييف.
وخلال الأشهر الماضية، فرضت واشنطن قيودا عسكرية صارمة على كييف؛ إذ منعتها من استخدام أنظمة الصواريخ الأمريكية بعيدة المدى «أتاكمز» لضرب أهداف داخل روسيا، في رسالة واضحة بأن الدعم الأمريكي لم يعد مفتوحا على مصراعيه.
وذهب نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس أبعد من ذلك، بتأكيده أن الحرب في أوكرانيا لن تنتهي في أي وقت قريب، مشددا على أن واشنطن باتت تنظر للأزمة من زاوية مختلفة، تضع مصالحها الاستراتيجية في المقدمة.
وأمام هذا الرفض الأوكراني للحلول السلمية، وتراجع الالتزام الأمريكي، يجد الأوروبيون أنفسهم في مواجهة روسيا أكثر قوة وجرأة؛ ما يفتح الباب واسعا أمام موسكو للسيطرة على مزيد من الأراضي الأوكرانية، والدخول في مواجهة مباشرة مع الجانب الأوروبي.
في البداية، أكد د. محمود الأفندي، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، أن موقف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والأوروبيين لا يُمكن وصفه بالرفض بقدر ما هو حالة من التكابر والإنكار، موضحا أن هؤلاء ما زالوا يراهنون على إمكانية إقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالعودة إلى مربع المواجهة مع روسيا، رغم أن واشنطن اتخذت قرارها بالانسحاب.
وأضاف الأفندي، في تصريحات خاصة لـ«إرم نيوز»، أن البوصلة الحقيقية للصراع كانت دائما في يد الولايات المتحدة، وأن ما جرى هو أن واشنطن تخلّت عن أوكرانيا والأوروبيين، لكنها احتفظت بالبوصلة لنفسها، وتركت حلفاءها في حالة ضياع وسط بحر متقلب.
واعتبر أن هذا التخبط يجعل الموقف الأوروبي – الأوكراني أقرب إلى «الهستيريا السياسية»، خاصة في ظل إدراكهم أن استمرار الحرب دون غطاء أمريكي سيقود إلى انهيار أوكرانيا، بل وربما أوروبا ذاتها.
وأشار الخبير الروسي إلى أن قبول أي تسوية في إطار قمة «ألاسكا» سيُفسَّر على أنه استسلام أوكراني بعد أربع سنوات من الحرب، وهو ما يضع القيادات الأوروبية في مأزق صعب أمام شعوبها، وكيف يبررون خسارة الأراضي ورفع الراية البيضاء فيما تبدو واشنطن رابحة بإنهاء الأزمة؟
أمل زائف
ولفت الأفندي إلى أن التحركات الأوروبية، مثل اتصالات ماكرون المتكررة مع ترامب ودعوته إلى باريس، ليست سوى انعكاس لأمل زائف، فيما أصبح القرار الأمريكي نهائيا بالانسحاب.
ورأى أن تصريحات مبعوث بريطانيا لأوكرانيا حول «الضمانات الأمنية كطوق نجاة لأوروبا» ما هي إلا محاولة لحفظ ماء الوجه أمام الرأي العام.
وشدد على أن زيارات زيلينسكي الأخيرة للدنمارك والنرويج، وفتح المستودعات العسكرية له، لا تغيّر من الحقيقة الجوهرية، وهي أن وقف إطلاق النار قادم لا محالة، وأن أوروبا وأوكرانيا مضطرتان في نهاية المطاف للخضوع لمعادلة أمريكية – روسية ترسم مصير الحرب.
خريطة النفوذ الروسي في أوروبا
من جانبه، أكد بسام البني، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، أن المشهد في أوكرانيا يشهد تحولات كبرى بفعل التدهور الواضح في العلاقات الأمريكية – الأوكرانية وتزايد الضغط الروسي عسكريا ودبلوماسيا، وهو ما يشير إلى إعادة رسم خريطة النفوذ في أوروبا الشرقية.
وكشف البني، في تصريحاته لـ«إرم نيوز»، أن روسيا تسيطر اليوم على نحو 20% من الأراضي الأوكرانية، تشمل شبه جزيرة القرم، وأجزاء واسعة من دونباس بنسبة 99% في لوغانسك و76% في دونيتسك، إلى جانب مناطق من خيرسون وزابوريجيا تتراوح السيطرة فيها بين 73 و74%.
وأوضح أن هذه المناطق تتميز بأهمية استراتيجية واقتصادية بالغة، أبرزها محطة زابوريجيا النووية – الأكبر في أوروبا – إلى جانب ثروات معدنية وموارد طبيعية ضخمة؛ ما يعزز قدرة موسكو على الصمود في مواجهة العقوبات.
وأشار إلى أن التقدم الروسي الأخير نحو مدينة بوكروفسك – وهي مركز لوجستي وعسكري محوري للقوات الأوكرانية – يهدد بفتح الطريق نحو مقاطعة دنيبروبيتروفسك؛ ما يعني توغّلا أعمق وتعزيزا للنفوذ الروسي في الشرق.
سيناريوهات مستقبلية
ورسم البني ثلاثة سيناريوهات مستقبلية للحرب الروسية – الأوكرانية:
استمرار الحرب بفعل تمسك زيلينسكي بعدم التنازل، مقابل إصرار بوتين على شروطه الخاصة بحيادية أوكرانيا ووقف تمدد الناتو.
سلام تحت الضغط، بفرض ضغوط أمريكية وأوروبية على كييف للقبول بتنازلات إقليمية، خصوصا في دونباس والقرم، مقابل ضمانات أمنية ورفع تدريجي للعقوبات.
التصعيد مع أوروبا، إذا انسحبت واشنطن بشكل شبه كامل، بما يجبر الأوروبيين على تكثيف دعمهم رغم عدم قدرتهم على مواجهة موسكو دون المظلة الأمريكية.
وأكد البني أن رفض كييف للوساطة الصينية بسبب انحياز بكين الضمني لموسكو أغلق نافذة دبلوماسية مهمة، وزاد من الاستقطاب بين الشرق والغرب.
وأشار إلى تغيّر المزاج الشعبي الأوكراني؛ إذ تراجعت نسبة الرافضين للتنازل عن الأراضي من 82% عام 2022 إلى 52% في 2025، ما يزيد الضغط على القيادة الأوكرانية للوصول إلى تسوية.
وحذر من أن أي تحرك روسي باتجاه مدن استراتيجية مثل كييف، أو تورط مباشر لدول أوروبية كبرى، قد يفتح الباب أمام مواجهة إقليمية شاملة، مؤكدا أن التطورات الحالية تعيد تشكيل الخارطة الجيوسياسية في أوروبا لعقود مقبلة.