يبدو أن المفاوضات بين واشنطن وموسكو لم تعد تبحث عن "سلام شامل"، بقدر ما تناقش كيفية تثبيت خطوط التماس، خاصة بعد تصريحات مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حول نشر قوات أوروبية في غرب أوكرانيا، والتي تعكس تحولًا واضحًا في مقاربة واشنطن للملف، من السعي لوقف الحرب إلى إدارة واقع ما بعد الحرب.
وكشف مبعوث ترامب، تفاصيل الخطة الأمريكية لنشر القوات الأوروبية في أوكرانيا، إذ أشار في تصريحات نشرتها صحيفة "تايمز" البريطانية، إلى أن الخطة تستند إلى نموذج "برلين بعد الحرب العالمية الثانية"، حيث تم تقسيم المدينة إلى مناطق سيطرة بين قوى الحلفاء، مع وجود منطقة منزوعة السلاح تفصل بين القوات المتحاربة.
ووفقًا لمقترحه، ستقود بريطانيا وفرنسا هذه القوة الأوروبية، وستتمركز في غرب نهر "دنيبرو" بينما تنتشر القوات الروسية في الشرق، وتظل القوات الأوكرانية في الوسط ضمن منطقة عازلة.
من جانبها، سارعت موسكو إلى تأكيد موقفها الرافض بشكل مطلق لأي تواجد عسكري لحلف الناتو داخل الأراضي الأوكرانية، حتى لو جاء تحت غطاء "حفظ السلام".
وشدد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، على أن نشر قوات أوروبية على الأراضي الأوكرانية لا يعني حربًا هجينة بل تورطا مباشرا لـ"الناتو" في الصراع مع روسيا.
ورغم أن الخطة الأمريكية، جاءت بعنوان "حفظ السلام"، تبدو أن هذه الخطوة أقرب لسيناريو تجميد الصراع بدلاً من إنهائه، وهو ما يفتح تساؤلات عدة حول مدى قبول كييف وموسكو والأطراف الأوروبية بهذه الصيغة، خاصة في ظل تصلب الموقف الروسي تجاه أي وجود أجنبي في أوكرانيا قبل التوصل إلى تسوية شاملة.
خطورة التصريحات الأمريكية
وحذّر الخبراء، من خطورة التصريحات الأمريكية الأخيرة التي طرحت فكرة إرسال قوات أوروبية تابعة للناتو إلى أوكرانيا تحت مسمى "حفظ السلام"، خاصةً أن هذه الخطوة تمثل استفزازًا واضحًا لروسيا وتكشف عن تعثر مفاوضات وقف إطلاق النار بين موسكو وواشنطن.
عملية السلام في أوكرانيا
وقال نزار بوش، أستاذ العلوم السياسية بجامعة موسكو، إن المحادثات التي أجراها الوفدان الروسي والأمريكي على مدار جولتين لم تسفر عن أي نتائج ملموسة بخصوص وقف إطلاق النار أو الدفع قدمًا بعملية السلام في أوكرانيا.
وأوضح بوش، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن الجولة الثالثة من المحادثات بين الجانبين لم تتناول الوضع في أوكرانيا بشكل مباشر، بل اقتصرت على مناقشة إعادة تبادل الدبلوماسيين وأسرى الحرب؛ ما يشير — بحسب وصفه — إلى تعثر المفاوضات وصعوبة التوصل لاتفاق حقيقي بين موسكو وواشنطن في هذه المرحلة.
وأشار أستاذ العلوم السياسية بجامعة موسكو، إلى أن الضغوط التي تمارسها كل من بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا على الإدارة الأمريكية وصقور الحرب داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي، تقلص بشكل كبير مساحة المناورة لدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في التعامل مع الملف الروسي بشكل إيجابي.
وأضاف أن تصريحات مبعوث ترامب بشأن إمكانية إرسال قوات أوروبية تابعة للناتو إلى أوكرانيا لحفظ السلام تعكس في جوهرها حجم التعقيدات والضغوط التي تعرقل التوصل إلى وقف نهائي لإطلاق النار، وتؤكد أن المفاوضات لم تحقق أي تقدم حقيقي حتى الآن.
إعلان فرنسي بريطاني
واعتبر بوش أن التصريحات الأمريكية حول إرسال قوات حفظ سلام إلى أوكرانيا استفزازية لروسيا، خاصة في ظل غياب أي إعلان رسمي من باريس أو لندن بشأن إرسال قوات، مؤكدًا أن روسيا أعلنت بوضوح رفضها القاطع لنشر أي قوات تابعة للناتو داخل الأراضي الأوكرانية.
وأوضح أن موسكو قد توافق على وجود قوات فصل بين الجانبين، لكن بشرط أن تكون قوات حفظ سلام محايدة وتنتشر فقط بعد التوصل إلى اتفاق سلام ووقف تام لإطلاق النار.
ولفت أستاذ العلوم السياسية بجامعة موسكو إلى أن أي دخول لقوات أجنبية قبل تحقيق هذه الشروط سيعده الكرملين تهديدًا مباشرًا، وربما يستهدف تلك القوات عسكريًا، لأنه سيعتبره بمثابة إعلان حرب على روسيا.
دور الدول المحايدة
من جانبه، قال رامي القليوبي، أستاذ زائر بكلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، إن «الناتو» مستعد من حيث المبدأ لإرسال قوات إلى أوكرانيا، بشرط أن يكون دورها مقتصرًا على حفظ السلام، وليس المشاركة في أي عمليات قتالية.
وأوضح القليوبي، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن روسيا ترفض وجود قوات الناتو وتصر على أن تتشكل أي قوة لحفظ السلام من دول محايدة، وأن باكستان قد تكون أحد الخيارات المطروحة، نظرًا لوضعها كدولة محايدة وعضو مؤقت بمجلس الأمن الدولي خلال العام الحالي والمقبل.
وأكد الأستاذ بالمدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، أن روسيا قد تظهر مرونة محدودة تجاه وجود قوات أمريكية ضمن مهمة حفظ السلام، بسبب ما تعتبره موقفًا أكثر اتزانًا من واشنطن مقارنة بالموقف الأوروبي، مشددًا على استحالة قبول روسيا بأي وجود عسكري أوروبي على الأراضي الأوكرانية.