logo
العالم

انتخابات كوسوفو.. هل ينتهي الجمود السياسي عبر صناديق الاقتراع؟

امرأة تحمل العلم الألباني خلال احتفالها بتقدم حزب "تقرير ...المصدر: رويترز

أدلى الناخبون في كوسوفو، الأحد، بأصواتهم في انتخابات تشريعية مبكرة، وسط آمال في أن تنبثق منها غالبية برلمانية واضحة تتيح الخروج من الجمود السياسي المتواصل منذ عشرة أشهر.

وتعدّ هذه الانتخابات بمثابة استفتاء على قدرة النظام السياسي على الخروج من الأزمة التي أدت إلى تعطيل البرلمان وتأخير التمويل الأجنبي، وإرباك العلاقة مع الشركاء الغربيين.

وفي ظل هذا الشلل السياسي، يرى خبراء أن الرهان لم يعد يقتصر على هوية الفائزين، بل على قدرة الأحزاب المتنافسة في تحقيق أغلبية برلمانية قادرة على تشكيل ائتلاف حكومي مستقر.

وتأتي هذه الانتخابات بعد نحو 10 أشهر من الفراغ السياسي أعقبت انتخابات شباط/ فبراير الفائت، التي تصدّرها حزب رئيس الوزراء المنتهية ولايته ألبين كورتي، "تقرير المصير"، بحصوله على أكثر من 42% من الأصوات، لكن هذا الفوز لم يترجم إلى أغلبية حاكمة، بسبب رفض أحزاب المعارضة الثلاثة الرئيسية الدخول في ائتلاف معه.

وتجسد هذا الانقسام في مشهد سياسي غير مسبوق، عبر "ماراثون برلماني"، فقد عقد أكثر من 50 جلسة برلمانية دون أن تحرز نجاحاً في تشكيل الحكومة، وهو ما دفع رئيسة البلاد فيوسا عثماني، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إلى حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة.

ورفضت أحزاب المعارضة التحالف مع حزب رئيس الوزراء كورتي بسبب طريقة تعامله مع الحلفاء الغربيين وسياساته حيال شمال كوسوفو المنقسم عرقيا حيث تعيش أقلية صربية.

لكن كورتي يطمح في هذه الانتخابات تجاوز عتبة الـ 50% وهي نسبة، إن تحققت، قد تمنحه أغلبية مريحة تُنهي الحاجة إلى تحالفات مع الخصوم.

ومن المتوقع أن يتصدر حزب كورتي النتائج، ولا سيما بعد أن حصل خلال استطلاع رأي أجرته قناة "دوكاجيني" التلفزيونية بعد إغلاق مراكز الاقتراع على 45.7% من أصوات الناخبين. لكن بدا من غير المرجح حصول الحزب على 61 مقعدا في البرلمان، المؤلف من 120 مقعداً، لتشكيل حكومة بمفرده.

ويرى خبراء أن تجربة كوسوفو تظهر أن الأغلبية العددية قد لا تضمن الاستقرار السياسي بالضرورة، في ظل انقسامات حزبية وعلاقات متوترة مع الشركاء الغربيين.

ويضيف الخبراء بأنه في المقابل، فإن معسكر المعارضة يفتقر، بدوره، إلى مشروع سياسي جامع، فزعيم "الحزب الديمقراطي" بدري حمزة، ومرشح "الرابطة الديمقراطية" لومير عبديشيكو، ركزا حملتيهما على انتقاد أداء حكومة كورتي، لا سيما في الملفين الاقتصادي والدبلوماسي، دون تقديم تصور واضح لكيفية إدارة الحكم في حال فوزهما.

ثمن الجمود السياسي

ولا تقتصر تداعيات الشلل السياسي داخل البلاد حيث يتفاقم الانقسام، بل تمتد إلى العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والمؤسسات المالية الدولية، ذلك ان عدم تشكيل حكومة يهدد التصديق على اتفاقيات قروض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، تنتهي صلاحيتها خلال الأشهر المقبلة.

ويأتي ذلك، وفقا لخبراء، في ظل سياق سياسي مشحون، بعد أن فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على كوسوفو عام 2023 على خلفية التوترات مع صربيا، قبل أن يعلن مؤخرا عزمه رفعها تدريجيا، بعد أن كلفت بريشتينا مئات الملايين من اليوروهات، في اقتصاد يعاني أصلا من الفقر والهجرة والبطالة.

وفي ظل كل هذه الملفات المنتظرة، فان الانتخابات الحالية تمثل فرصة، وإن كانت غير مضمونة، لكسر الجمود السياسي،  ففوز حزب كورتي بأغلبية واضحة قد يفتح الباب أمام حكومة مستقرة نسبياً، أما إذا تكررت تجربة انتخابات فبراير/ شباط الماضي دون أن يحسم أي طرف النتائج، فعلى الأرجح ستشهد كوسوفو أزمة سياسية جديدة.

طبيعة النظام السياسي

ويلاحظ خبراء أن إشكالية الحكم في كوسوفو لا تختزل في هوية الفائز أو حجم الكتلة البرلمانية، بل ترتبط بطبيعة النظام السياسي نفسه وحدود قدرته على ترجمة النتائج الانتخابية إلى سلطة تنفيذية ذات فاعلية.

ويوضح الخبراء أنه حتى لو حقق حزب ما أغلبية واضحة، إلا أن الحكم يظل "مكبلاً" بسلسلة قيود مؤسساتية صممت في مرحلة ما بعد الاستقلال لضمان التوازن العرقي ومنع عودة الصراع، لكنها تحولت مع الوقت إلى "بيرقراطية مترهلة" تبطئ عملية صنع القرار وتضعف الحسم السياسي.

يضاف الى ذلك أن مؤسسات القضاء وإنفاذ القانون تعاني من تدخلات حزبية وضغوط خارجية تقلل من فعاليتها واستقلالها، ناهيك عن محدودية الموارد الاقتصادية، واعتماد البلاد الكبير على التحويلات المالية والمساعدات الدولية.

ويشدد الخبراء على أن هذه العراقيل تفرغ أي برنامج حكومي طموح من أدواته العملية وقدراته التنفيذية، وتجعل الاستجابة لتوقعات الناخبين مسألة معقدة.

ولا يمكن فصل الملفات الداخلية عن البعد الخارجي المحدود الذي تتحرك ضمنه كوسوفو التي لا تزال تعمل ضمن هامش سيادي ضيق، تخضع فيه قراراتها الكبرى لمراقبة غربية صارمة.

ويشير الخبراء، الى انه، وفي ضوء ما سبق، فإن النخبة الحاكمة في كوسوفو تكون منشغلة على الدوام لتحقيق توازن بين متطلبات الداخل وضغوط الخارج، ما يحدّ من قدرة أي أغلبية على فرض أجندتها كاملة، ما يعني أن الاستقرار السياسي في كوسوفو مرهون بإصلاحات أعمق من مجرد إعادة توزيع المقاعد.

على هامش أوروبا

وتعدّ كوسوفو واحدة من أصغر دول أوروبا وأكثرها هشاشة من حيث البنية السياسية والاقتصادية، وتقع في منطقة البلقان، وتبلغ مساحتها نحو 10,900 كيلومتر مربع، ويقطنها قرابة 1.6 مليون نسمة، ويشكّل الألبان ذوو الأغلبية المسلمة نحو 90% منهم، إلى جانب أقلية صربية وأقليات أخرى

وكانت كوسوفو أعلنت استقلالها عن صربيا في 2008 بدعم من واشنطن ومعظم دول الاتحاد الأوروبي، غير أن استقلالها لا يزال موضع خلاف دولي، إذ لم تنضم إلى الأمم المتحدة بسبب معارضة صربيا وداعميها.

ويمثل التوتر مع صربيا أحد أبرز محددات الواقع السياسي والأمني في كوسوفو، فبلغراد لا تعترف باستقلال الإقليم الذي تعتبره جزءاً من سيادتها التاريخية، وتواصل دعمها للأقلية الصربية، ولا سيما في شمال كوسوفو المتاخم للحدود الصربية. 

ورغم رعاية الاتحاد الأوروبي لحوار سياسي بين الجانبين منذ عام 2011، فإن التقدم ظل محدوداً، بسبب انعدام الثقة وتوظيف الملف داخلياً في كل من بريشتينا وبلغراد. 

ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي نحو 10 مليارات يورو تقريباً، ما يعكس ضآلة الوزن الاقتصادي للدولة مقارنة بجيرانها.

ويختم خبراء بالقول إن كوسوفو تبدو دولة ذات طموحات سيادية تفوق قدراتها الفعلية، حيث يتحول أي خلل سياسي داخلي سريعاً إلى أزمة ذات أبعاد إقليمية ودولية.

أخبار ذات علاقة

الاستعدادات للانتخابات في كوسوفو

أصغر دول أوروبا تأمل بإنهاء جمود سياسي طويل عبر انتخابات برلمانية

 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC