يمثل المقترح الروسي بنقل فائض اليورانيوم الإيراني عالي التخصيب إلى موسكو وتحويله إلى وقود مدني تحولاً نوعيًا في مسار الجمود النووي بين واشنطن وطهران، إلى جانب كونه خطوة استراتيجية في السياسة الروسية.
وقد يشكل هذا الاقتراح بوابة عملية لتجاوز إحدى أصعب عُقد المفاوضات، وهي مسألة المواد القابلة للاستخدام العسكري.
وبينما تؤكد موسكو أن الجانبين الأمريكي والإيراني تلقيا المبادرة "بجدية"، يبقى التنفيذ مرهوناً بضمانات تقنية وسياسية متبادلة.
ورغم طابعه الفني، فإن الاقتراح الروسي يحمل أبعاداً استراتيجية تتجاوز الملف النووي الإيراني إلى مستقبل التوازنات الإقليمية في الشرق الأوسط.
الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية الفرنسي الدكتور فرانسوا نيكوليه، قال لـ"إرم نيوز" إن المبادرة الروسية ليست مجرد حل تقني بل إعادة تموضع دبلوماسي" تهدف موسكو من خلالها إلى تعزيز نفوذها في المنطقة عبر دور الوسيط النووي.
ورأى نيكوليه أن "نقل اليورانيوم إلى روسيا يحوّل طهران من طرف مهدَّد إلى طرف يمكن التحكم في خطورته. وفي الوقت نفسه، يمنح موسكو ورقة تفاوضية قوية في وجه الغرب".
وتؤكد إيران أن مخزونها من المواد النووية لا يتجاوز الحدود المسموح بها ضمن الاتفاق النووي لعام 2015 المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA).
ومن جهتها تصر الولايات المتحدة على ضرورة التخلص الكامل من أي فائض قد يُستخدم في صناعة أسلحة نووية مستقبلًا.
بدورها، قالت الدكتورة ماريون فينييه، الباحثة في معهد "مونتان"، لـ"إرم نيوز" إن المقترح الروسي "يسحب فتيل الانفجار المحتمل"، لكنه لا يكفي وحده لضمان حل نهائي".
وأضافت أنه حتى لو نُقل فائض اليورانيوم، لا تزال هناك قضايا عالقة: مراقبة المنشآت، ومستوى التخصيب، وأدوار الوكالة الدولية.
واستدركت بالقول إن ما حدث مهم، إذ يعكس قبولًا ضمنيًا من إيران والولايات المتحدة بفكرة الحلول المرحلية بدلاً من الاتفاق الشامل.
ورأت أنه في ظل غياب اختراق دبلوماسي منذ شهور، قد يمثل هذا المقترح نافذة واقعية للخروج من عنق الزجاجة النووي، لكنه يبقى رهن الإرادة السياسية، وثقة متبادلة لا تزال مفقودة حتى الآن.
وكان نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، قال إن العرض الروسي يمكن أن يشكل حلاً تقنيًا مقبولًا للطرفين، شريطة الموافقة الثنائية عليه.
كما أكد ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، أن المبادرة لم تتحول بعد إلى اتفاق رسمي، لكنها تظل قائمة في حال حصلت على موافقة من طهران وواشنطن.
وتسعى موسكو، التي تمتلك بنية تحتية نووية متطورة وتُعد حليفًا استراتيجيًا لإيران، إلى ترسيخ موقعها كوسيط موثوق به في هذه المفاوضات.
ويُذكر أن روسيا تملك سجلًا حافلًا في تحويل اليورانيوم المخصب إلى وقود نووي مدني لمصلحة دول أخرى، بما يتماشى مع معايير عدم الانتشار النووي.
ورغم أن الفكرة الروسية ليست جديدة من حيث المبدأ، فإن طرحها في هذا التوقيت يأتي في ظل ركود المفاوضات الثنائية منذ أشهر.
النقطة العالقة الرئيسة تبقى في تعريف الفائض النووي وآلية نقله إلى دولة ثالثة، وهو مقترح ظل مطروحًا لسنوات دون أن يتحول إلى اتفاق مُلزم.
وفي حال تنفيذ هذه المبادرة الروسية، فإنها قد تُسهم في زيادة المعروض من الوقود النووي القابل للاستخدام في القطاع المدني، لا سيما في تشغيل محطات الطاقة النووية سواء داخل إيران أو خارجها، وفقًا لطبيعة الاتفاقات الثنائية التي قد تُبرم لاحقًا، بحسب شبكة "إنيرجي نيوز" الإخبارية الفرنسية.
وتعد عملية تحويل اليورانيوم المخصب إلى وقود مدني ممارسة تقنية معتادة في الصناعة النووية الدولية، إلا أن تطبيقها في إطار سياسي معقد مثل هذا يُعتبر سابقة نوعية.
وسبق لروسيا أن تعاملت مع مخزونات نووية فائضة قادمة من دول مختلفة، وقامت بتحويلها وفقًا لمعايير عدم الانتشار، إلا أن تحويل العرض الحالي إلى مشروع عملي يتطلب اتفاقًا مفصّلًا يشمل الشروط الفنية واللوجستية والتنظيمية.