تواصل إيران استخدام ملف تخصيب اليورانيوم كأداة تفاوضية للدفاع عن "حقوقها النووية المشروعة"، وسط الهجوم الإسرائيلي المستمر منذ 11 يوما.
خبراء في المجال النووي، أكدوا أن تخصيب اليورانيوم ليس مجرد عملية تقنية، بل هو محور معركة استراتيجية كبرى بين الدول، تدور رحاها بين الاستخدام السلمي للطاقة وتطوير الأسلحة النووية.
وصرح الخبير الفرنسي فيليب لورو، والباحث في "المركز الفرنسي للدراسات النووية المتقدمة" لـ"إرم نيوز"، بأن "التخصيب لا يصنع فقط الوقود للمفاعلات، بل هو الطريق الأقصر، وإن كان الأعقد، لصناعة القنبلة النووية".
وتصدرت مؤخرًا الهجمات التي شنتها الولايات المتحدة وإسرائيل على ثلاث منشآت نووية رئيسة في إيران: نطنز، أصفهان، وفوردو، الأخبار. ولا تعد هذه المواقع فقط مراكز حيوية للطاقة النووية الإيرانية، بل تمثل حجر الزاوية في مشروعها التخصيبي.
أشار الخبير الفرنسي إلى أنه لفهم تخصيب اليورانيوم، يجب أن نفهم أولًا ما هو اليورانيوم نفسه، موضحاً أنه يتكون كل عنصر كيميائي من ذرات تحوي عددًا من البروتونات والنيترونات.
ووفقاً للخبير الفرنسي فإن اليورانيوم عنصر ثقيل يحتوي على 92 بروتونًا، ويمكن أن يملك أعدادًا مختلفة من النيترونات؛ مما يشكل ما يعرف بـ"الإيزوتوبات".
وتابع: "عند استخراج اليورانيوم من الأرض، فإن أكثر من 99.27% منه يكون يورانيوم-238 (أي يحتوي على 146 نيوترونًا)، بينما فقط 0.72% منه هو يورانيوم-235، وهو النظير القابل للانشطار المطلوب لإنتاج الطاقة أو السلاح النووي. الباقي – نحو 0.01% – غير فعال في هذا السياق".
وأشار لورو إلى أن أهمية اليورانيوم-235 تكمن في كونه الوحيد القادر على دعم تفاعل نووي متسلسل. عندما يصطدم نيوترون بهذا النظير، ينشطر مطلقًا طاقة هائلة، بالإضافة إلى إطلاق نيوترونات إضافية تقوم بشطر ذرات أخرى، مما يولّد سلسلة تفاعلات ذات طابع انفجاري. في المفاعلات النووية، يتم التحكم بهذه السلسلة لإنتاج طاقة، أما في القنابل، فيُسمح للتفاعل بأن يتم لحظيًا وبشكل كامل.
وقال لورو، فإن عملية "التخصيب" تعني زيادة نسبة اليورانيوم-235 في العينة، موضحاً انه يتم ذلك عن طريق فصل النظير الأخف U-235 عن الأثقل U-238، وهذا يتم باستخدام أجهزة الطرد المركزي، وهي أجهزة تدور بسرعات عالية جدًا، تصل إلى 70 ألف دورة في الدقيقة، لتفصل النظيرين بفعل اختلاف الوزن الطفيف بينهما (نحو 1%).
ورأى أن الأمر يشبه عمل "عصارة السلطة": الجزء الأثقل (U-238) يُدفع نحو الخارج، بينما يبقى الجزء الأخف (U-235) في المركز. لكن هذه العملية تحتاج إلى التكرار عبر مئات أو آلاف المرات حتى يتم رفع تركيز اليورانيوم-235 إلى النسبة المطلوبة.
وتابع أنه في الاستخدامات المدنية، يتم تخصيب اليورانيوم إلى مستويات تتراوح بين 3% و5% فقط، وهي كافية لتشغيل المفاعلات النووية، موضحاً أن هذا النوع من الوقود يستخدم لإنتاج 9% من إجمالي الكهرباء عالميًا، كما يدخل في التطبيقات الطبية مثل علاج السرطان وتصوير الأعضاء باستخدام النظائر المشعة.
وحين يصل التخصيب إلى 20% أو أكثر، يطلق على المادة اسم "اليورانيوم العالي التخصيب"، وعند مستوى 90% من U-235، يصبح اليورانيوم من الدرجة العسكرية، وهو ما يُستخدم في صناعة القنابل النووية، وفقاً للخبير الفرنسي.
وتقنيًا، قالت الباحثة الأسترالية كايتلين كوك، المتخصصة في الفيزياء النووية وتطبيقات المعجلات: "يمكن تصنيع سلاح نووي من يورانيوم مخصب بنسبة 20%، لكن الكفاءة والدمار يكونان أعظم عندما يكون التخصيب بنسبة 90%، لأن السلاح حينها يكون أصغر حجمًا وأقوى انفجارًا".
وأوضحت في تعليق علمي نشرته مجلة "Conversation The" العلمية في سياق نقاش عالمي حول تخصيب اليورانيوم، أن المسألة "تبدو تقنية في ظاهرها، لكنها في جوهرها سياسية واستراتيجية"، بحسب إذاعة "إر.إف.إي" الفرنسية.
وصرحت كوك بأن: "الانتقال من يورانيوم مخصب بنسبة 60% إلى 90% لا يمثل قفزة تقنية صعبة، بل مجرد خطوة قصيرة في سياق تطوير السلاح النووي"، موضحة أن "ما يقلق المجتمع الدولي ليس فقط الكمية، بل قدرة دولة ما على استئناف التخصيب العسكري بسرعة بمجرد أن تمتلك البنية التحتية".
وأضافت أن عمليات التخصيب الحديثة أصبحت أكثر فاعلية بفضل أجهزة طرد مركزي متطورة يمكن تصنيعها محليًا؛ مما يقلل من قدرة الرقابة الدولية على منع الاستخدام المزدوج، موضحة أن: "التكنولوجيا النووية فقدت اليوم حكرها العلمي، وأصبحت التحديات سياسية في المقام الأول".
ودعت كوك إلى تجديد آليات الرقابة العالمية قائلة: "المعاهدات الحالية مثل اتفاقية منع الانتشار النووي (NPT) تعاني من ثغرات تقنية، ولا بد من تحديثها لتتماشى مع التطورات العلمية التي تجعل من التخصيب العسكري مهمة أسهل مما كانت عليه قبل عقود".
وبحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية (AIEA)، فإن إيران قامت خلال الأشهر الأخيرة بتخصيب كميات كبيرة من اليورانيوم حتى 60%، وهو ما يعد مؤشرًا خطيرًا؛ إذ إن القفز من 60% إلى 90% أسهل بكثير من القفز من 0.7% إلى 60%، نظرًا لانخفاض نسبة الشوائب المتبقية.
ووفقاً لإذاعة "إر.إف.إي" الفرنسية فإن أهمية المواقع الإيرانية الثلاثة المستهدفة (نطنز، فوردو، وأصفهان) تتمثل في كونها تمثل البنية التحتية الكاملة لسلسلة التخصيب، موضحة أن أصفهان تنتج المواد الأولية، في حين يتم تخصيبها في فوردو ونطنز. ونتيجة الهجمات الأخيرة، قُتل عدد من العلماء النوويين الإيرانيين، ما يدل على دقة الضربة الإسرائيلية من حيث الأهداف البشرية والتقنية.
وأضافت الإذاعة الفرنسية أن المخاوف الغربية تنبع من إمكانية إعادة تشغيل هذه المنشآت بسرعة، خاصة أن أجهزة الطرد المركزي الإيرانية قد صُممت محليًا، وتُعد من الأسرع في المنطقة.
في المقابل، تقول إيران إنها تخصّب لأغراض سلمية، بينما ترى الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران قد خرقت بنود اتفاقية منع الانتشار النووي؛ إذ لا تسمح بتخصيب يتجاوز 3.67% إلا بموجب اتفاق خاص.
وأشارت إلى أن المشكلة الأساسية في تخصيب اليورانيوم هي أن الأجهزة والتقنيات نفسها يمكن استخدامها لأغراض سلمية أو عسكرية. الفارق الوحيد يكمن في درجة التخصيب، وبالتالي فإن أي دولة تمتلك البنية التحتية الكاملة يمكنها، نظريًا، التحوّل من الوقود إلى السلاح خلال أسابيع، إذا أرادت.