رأى تقرير لصحيفة "التلغراف" البريطانية أن الهند تجد نفسها اليوم أمام معادلة معقدة، مع تصاعد الضغوط الأمريكية بسبب استمرار نيودلهي في شراء النفط الروسي؛ ما يضع علاقتها التاريخية مع موسكو على المحك في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة.
ووصف المتحدث باسم البيت الأبيض، ستيفن ميلر، استمرار الهند في شراء النفط الروسي بأنه "غير مقبول"، في إشارة إلى المساهمة غير المباشرة في تمويل المجهود الحربي الروسي في أوكرانيا. ومع ذلك، لا تزال نيودلهي تُبدي ترددًا واضحًا بشأن تقليص علاقتها الوثيقة طويلة الأمد مع روسيا.
وقالت الصحيفة، إن جذور العلاقة بين البلدين تعود إلى الحقبة السوفيتية، ولا سيما خلال حرب تحرير بنغلاديش عام 1971، ومنذ ذلك الحين، اعتمدت الهند بشكل كبير على السلاح الروسي لتجهيز قواتها المسلحة. كما أن العلاقة الشخصية الجيدة بين رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين تُشكل أحد أركان هذا التحالف التقليدي.
غير أن التحديات الإقليمية الجديدة، وعلى رأسها تنامي النفوذ الصيني في جوار الهند، دفعت نيودلهي لإعادة تقييم مواقفها. فالصحيفة تشير إلى أن الهند أصبحت تشعر بأنها "محاطة بأعداء محتملين"، في وقت تتقرب فيه دول الجوار، مثل: سريلانكا وبنغلاديش، إلى الصين، بينما تعتبر باكستان اليوم حليفًا وثيقًا لبكين، بل و"وكيلًا لها" في نظر البعض، خاصة بعد ما سمّته الصحيفة "حرب المئة ساعة" الأخيرة التي أظهرت نقاط ضعف في التكتيكات والمعدات العسكرية الهندية.
وأضافت الصحيفة أن الجيش الهندي يسعى إلى تحديث قدراته وتقليص اعتماده على الخارج في مشترياته الدفاعية، لكن علاقته المتينة مع روسيا تقف عائقًا أمام التعاون مع أوكرانيا، التي تُعد إحدى أبرز الدول المصنعة للطائرات المسيرة التي تحتاجها الهند لمواكبة تطورات باكستان المدعومة صينيًّا.
وفي ملف الطاقة، أوضحت الصحيفة أن واردات الهند من النفط الروسي ارتفعت من 68 ألف برميل يوميًّا قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، إلى 2.15 مليون برميل في مايو 2023، وهو ما يعادل قرابة 40% من استهلاكها اليومي؛ ما يفسر تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن "الهند تموّل الحرب الروسية".
ورغم هذه التعقيدات، ترى الصحيفة أن براغماتية الهند تبقى أحد عناصر قوتها في عالم يشهد تحولات سريعة. إلا أن عضويتها في مجموعة "الرباعية" التي تضم الولايات المتحدة وأستراليا واليابان، والتهديد الصيني المتزايد، قد يدفعانها لإعادة تموضع إستراتيجي يخفف اعتمادها على موسكو، دون القطيعة التامة.
ولفتت إلى أن قرار التحوّل النهائي لا يزال مرهونًا برؤية رئيس الوزراء مودي نفسه، لكن من المرجح أن تُرسم ملامح المرحلة المقبلة من خلال توازن المصالح لا التحالفات القديمة.