وحّدت مقاطعة كيبيك الكندية صفوفها مع الحكومة الفيدرالية في أوتاوا، ردًا على تصريحات مفاجئة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لوّح خلالها برغبته في ضم كندا لتكون "الولاية الأميركية الـ51".
ووفق صحيفة "لوموند" الفرنسية، جاءت هذه التصريحات، التي وُصفت بالاستفزازية، في خضم تصعيد تجاري شنّه ترامب على أقرب حلفاء واشنطن، ما أشعل موجة من الحس الوطني عبر كندا، امتدت إلى كيبيك المعروفة تقليديًا بميلها للاستقلال والهوية الخاصة.
وأضافت الصحيفة أنه رغم تاريخٍ طويل من التوتر بين كيبيك والدولة الكندية، تجلّى رد الفعل هذه المرة بوحدة غير مسبوقة، لا تعكس حبًا مفاجئًا للحكومة الفدرالية، بقدر ما تعبر عن رفض حاسم لمحاولات فرض الهيمنة الأمربكية.
ففي قلب مونتريال، تحوّل "حي الفنون" إلى مسرح رمزي للمقاومة، مع عروض فنية ولوحات جدارية تحمل كلمة "المقاومة" بالفرنسية.
كما شاركت المتاجر بدورها في هذه الروح الوطنية بعرض شعارات مثل: "كندا ليست للبيع"، وترويج منتجات محلية بألوان العلم الكندي تحت شعار: "اشترِ الكندي الآن".
لكن هذا الانسجام لا يعني أن كيبيك تخلّت عن طموحها التاريخي في الاستقلال، فمنذ صرخة الجنرال شارل ديغول الشهيرة العام 1967: "تحيا كيبيك حرة!"، ظلّ الحلم الوطني حاضرًا في وجدان الكيبيكيين، الذين صوّتوا مرتين لصالح الانفصال (1980 و1995)، دون أن ينجحوا في بلوغ الهدف.
كما ما تزال شخصيات سياسية مثل الوزيرة السابقة لويز بودوان ترى أن المعركة لم تنتهِ بعد، بل ازدادت ضرورة في ظل ما تعتبره "تبخيسًا" لهوية كيبيك الثقافية واللغوية من قبل أوتاوا.
تقول بودوان من شقتها في حي أوترمونت الراقي: "هذا البلد لن يتغير أبدًا"، منتقدة وصف رئيس الوزراء السابق جاستن ترودو لكندا بـ"الدولة ما بعد الوطنية"، معتبرة ذلك إنكارًا للخصوصية الثقافية والتاريخية لكيبيك. وترى أن معركتها ترتكز على الدفاع عن اللغة الفرنسية، ومبدأ العلمانية، ونموذج الاندماج الخاص بالولاية.
بحسب الصحيفة، يرى بعض المفكرين القوميين في كيبيك أن العدو الحقيقي لم يعد "الاحتلال السياسي"، بل هو "الراحة" التي غمرت المجتمع بعد عقود من التقدم الاقتصادي والاجتماعي.
وبعدما كانت كيبيك تُعدّ "مصدرًا لليد العاملة الرخيصة"، أصبحت، اليوم، جزءًا من كندا الحديثة التي تجاوزت تأخرها التنموي، وهو ما يصعّب، بحسبهم، عملية إعادة تعبئة الناس وراء مشروع الاستقلال.
من جهته، الفنان المعروف الذي يردد في أغانيه هوية كيبيك المزدوجة، كمواطنين كنديين من أصل فرنسي، لا يزال يؤمن بأن "الاستقلال هو المصير المنطقي"، وينهي إحدى أغانيه بكلمات معبّرة: "كيبيكي؟ إنه اسم جميل، مختصر، لكن من الغباء ألا نصبح بلدًا". لكن في المقابل، بدأ خطاب السيادة يتراجع حتى بين أجياله السابقة.
بدورها، تقول الصحافية والوثائقية فرانسين بيليتييه، البالغة من العمر 70 عامًا، والتي كانت من أبرز وجوه الحراك النسوي في الثمانينيات: "أنا قومية، لكنني لم أعد انفصالية، ولو طُرح استفتاء جديد حول السيادة، سأصوّت بـ'لا' للمرة الأولى". بالنسبة لها، الوحدة مع كندا لم تعد عبئًا، بل خيارًا واقعيًا وسط عالم مضطرب.
وفي السياق ذاته، يشير الكاتب والمفكر الكيبيكي ماثيو بيليزل إلى مفارقة لافتة: "كندا اليوم تتبنى خطاب السيادة والاستقلال الوطني، وهي مفاهيم لطالما ارتبطت بالحركة الانفصالية في كيبيك".
وأضاف أن العالم يشهد عودة إلى منطق الهيمنة، ويطرح تساؤلًا وجوديًا: "هل تستطيع كيبيك الصغيرة أن تصمد في وجه عالم يعيد إنتاج الإمبراطوريات بالقوة؟".
بيليزل، الذي يعمل على إصدار كتابه الجديد تاريخ موجز للأمل، يعترف بأن السياق العالمي يدفع الكيبيكيين للتفكير مجددًا في طبيعة نضالهم السياسي، في ظل تغير معايير القوة والسيادة.
ويختم حديثه قائلاً: "نحن بحاجة إلى الأمل الآن، أكثر من أي وقت مضى".