يرى تقرير لمجلة "فورين أفيرز" أن الملف النووي الإيراني الذي عاد إليه الزخم مع عودة عقوبات "آلية الزناد" بات يحتاج إلى "أفكار جديدة" بعد ثبات فشل الخيار العسكري الذي قادته إسرائيل والولايات المتحدة في حرب الـ 12 يوماً، في يونيو/ حزيران الماضي.
ويبقى التفاوض على اتفاق نووي جديد "جيّد" مع إيران هو الخيار الأكثر فعالية لمنعها من امتلاك أسلحة نووية مع تجنب صراع إقليمي مدمر، لكنّ هذا يتطلّب مرونة من كلا الطرفين، خاصة فيما يتعلق بقضية التخصيب، مع ضمانات مراقبة صارمة تحمي الأمن الإقليمي والدولي.
لكن مع الفشل "المتوقع" لجهود المفاوضات، ستجد واشنطن نفسها مضطرة إلى اللجوء إلى الخيار العسكري، إلا أن ذلك سيأتي بتكلفة باهظة، قد تهدد الاستقرار الإقليمي لسنوات قادمة.
تسعى إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى التوصل إلى اتفاق نووي جديد يحظر تخصيب اليورانيوم في إيران بالكامل، وهو ما يُعرف بسياسة "التخصيب الصفري"، وهذا الموقف، الذي أكده المبعوث الخاص ستيف ويتكوف، يهدف إلى قطع الطريق نهائياً على أي محاولة إيرانية لتطوير أسلحة نووية.
لكن طهران رفضت هذا الطرح جملة وتفصيلاً، معتبرة التخصيب رمزًا للفخر الوطني وبوليصة تأمين ضد التقلبات الدولية، وفي ظل هذا الرفض، تواجه واشنطن خيارين: الاستمرار في الاعتماد على الضربات العسكرية والعمليات الاستخباراتية، وهو نهج تدعمه إسرائيل بقوة، أو التفاوض على اتفاق يسمح بتخصيب محدود وخاضع لمراقبة صارمة.
الخيار الأول قد يؤدي إلى تصعيد عسكري مستمر في المنطقة، مما يهدد بصراع طويل الأمد دون ضمانات بمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، أما الثاني، فيتطلب مرونة أمريكية قد تواجه معارضة داخلية وإسرائيلية.
بعد وقف إطلاق النار الذي أنهى حرب الـ12 يوماً، حاولت إدارة ترامب استئناف الحوار مع إيران، لكن الانقسامات داخل النخبة الإيرانية، إلى جانب شروط طهران المسبقة مثل ضمان عدم التعرض لهجمات أثناء المفاوضات، عرقلت هذه الجهود.
ومع ذلك، تشير تقارير إلى أن المرشد الأعلى علي خامنئي قد أبدى موافقة مبدئية على استئناف المفاوضات، معتبراً أنها ضرورية لبقاء النظام في ظل الضغوط الاقتصادية والعزلة الدولية، في المقابل فإن إحدى الأولويات الأمريكية في أي مفاوضات مستأنفة هي استعادة أنشطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إيران.
هذا يتطلب منح الوكالة حق الوصول إلى جميع المواقع النووية، بما في ذلك ورش إنتاج أجهزة الطرد المركزي، التي حُرمت من دخولها منذ عام 2021. ومع ذلك، من المتوقع أن تستخدم إيران هذا التعاون كورقة مساومة في المفاوضات، مما يعقد التوصل إلى اتفاق شامل.
للتغلب على الخلاف حول التخصيب، اقترح خبراء دوليون إنشاء اتحاد متعدد الأطراف لدورة الوقود النووي، يشرف على إنتاج اليورانيوم المخصب للأغراض المدنية في المنطقة.
وهذا الاتحاد، الذي قد يضم دولاً أخرى، يهدف إلى تعزيز الشفافية وتقليل مخاطر تحويل اليورانيوم إلى أغراض عسكرية، لكن هذا الاقتراح يواجه تحديات، إذ إن إيران ترفض أي ترتيب يستثني التخصيب المحلي، بينما تعارض واشنطن السماح بأي تخصيب داخل إيران.
وكبديل، يدرس المفاوضون اتفاقاً مؤقتاً يؤجل الخلاف حول التخصيب ويركز على خطوات محدودة، مثل استئناف مراقبة الوكالة مقابل تخفيف جزئي للعقوبات أو الإفراج عن أموال إيرانية مجمدة.
لكن مثل هذا الاتفاق قد لا يكون مستداماً، حيث يمكن أن يؤدي استمرار حالة عدم اليقين إلى تصعيد التوترات.
بدلاً من الإصرار على التخصيب الصفري، قد تكون الولايات المتحدة مضطرة إلى قبول برنامج تخصيب إيراني محدود للغاية، يقتصر على تلبية احتياجات الوقود المدني قصيرة الأجل، مثل تشغيل مفاعل طهران للأبحاث.
ويتطلب ذلك تخفيض مخزون اليورانيوم عالي التخصيب إلى أقل من 5%، وتفكيك أجهزة الطرد المركزي الزائدة، وتحويل اليورانيوم إلى شكل غير قابل للاستخدام العسكري.
كما يجب أن تشمل الاتفاقية تدابير مراقبة متقدمة، مثل أجهزة رصد فورية، وإجراءات تفتيش مبسطة تتيح الوصول إلى المواقع الحساسة لضمان الامتثال، يجب أن يتضمن الاتفاق آليات إنفاذ سريعة، مثل تعليق تخفيف العقوبات في حالة الانتهاك، وبيان أمريكي يحتفظ بحق استخدام القوة إذا لزم الأمر.
كما ينبغي أن يكون الاتفاق طويل الأمد (25-30 عاماً) وملزماً قانونياً عبر موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي، لتجنب مصير خطة العمل الشاملة المشتركة.
ووفق "فورين أفيرز"، فإن التوصل إلى مثل هذا الاتفاق لن يكون سهلاً، ففي الولايات المتحدة، سيُواجه ترامب معارضة داخلية وانتقادات من إسرائيل، التي قد تلجأ إلى عمليات عسكرية أحادية تعرقل المفاوضات.
أما في إيران، فقد يرفض المتشددون القيود الصارمة، معتبرين إياها تنازلاً عن السيادة الوطنية، كما أن تفعيل "آلية الزناد" من قبل دول أوروبا، قد يدفع إيران إلى الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، مما يعقد الوضع أكثر.