شهد العام الماضي سلسلة من القرارات الفيدرالية والولائية والمؤسسية في الولايات المتحدة أضرّت بشكل كبير بحقوق المدنيين الأمريكيين السود، مستهدفة ركائز المساواة العرقية وحماية الحقوق المدنية.
وأدت تلك القرارات إلى محو البيانات العامة، وخفض تمويل الأبحاث، وحذف محتوى التاريخ الأسود من المتاحف والمكتبات والمواقع الحكومية.
وتعتبر هذه التحركات الأوسع منذ إعادة الإعمار، إذ أُلغيت منح بمليارات الدولارات، وحُذفت آلاف مجموعات البيانات الحيوية، وتم حظر مئات الكتب، وارتفع معدل البطالة بين النساء السود، مع إغلاق المراكز الثقافية الجامعية.
ويؤكد خبراء أن هذه الإجراءات، رغم وصف إدارة الرئيس دونالد ترامب لها بأنها استعادة "المعيار الذهبي للعلوم"، تشكل تهديدًا لمواصلة التقدم نحو المساواة العرقية، لكنها في الوقت نفسه أثارت اهتمامًا متزايدًا بأهمية توثيق التاريخ الأسود وصونه.
ووفقًا لتقرير Blackout Report الصادر عن منظمة Onyx Impact غير الربحية ونشره موقع "أكسيوس"، فقد تم قطع أو تجميد 3.4 مليار دولار من المنح المخصصة للجامعات والمعاهد السوداء التاريخية، وأبحاث الصحة العامة، ودعم رواد الأعمال السود.
وبحسب التقرير فقد تم أيضًا حذف 6,769 مجموعة بيانات فيدرالية، شملت معلومات حول وفيات الأمهات ومرض فقر الدم المنجلي، اللذين يؤثران بشكل غير متناسب على الأمريكيين السود. كما أُزيلت بيانات تتعلق بتنوع القوى العاملة والتعرض البيئي في الأحياء تاريخيًا المصنفة ضمن "المناطق الحمراء"، وهي معلومات أساسية لتشكيل سياسات المساواة العرقية.
وفي سياق متصل، أشارت منظمة "أونيكس إمباكت" إلى حظر 591 كتابًا لمؤلفين سود من المدارس والمكتبات التابعة للبنتاغون. وتشمل العناوين المحذوفة أعمالًا لتوني موريسون ومايا أنجيلو وإبرام إكس. كيندي.
وتراجع إدارة ترامب المتاحف الوطنية، بما في ذلك المتحف الوطني للتاريخ والثقافة الأمريكية الإفريقية التابع لمؤسسة سميثسونيان، بعد أن وصفها بأنها "خارجة عن السيطرة" وتركز على "مدى فظاعة بلدنا".
وقامت المواقع الإلكترونية الحكومية بحذف محتوى يتعلق بالتاريخ الأسود، وأُعيد نشر بعض المواد، مثل صفحات دائرة المتنزهات الوطنية عن هارييت توبمان وميدغار إيفرز، بعد ردود فعل عامة غاضبة، لكن الباحثين يؤكدون أن غالبية المحتوى المحذوف لم يُسترجع بعد.
وسجل معدل البطالة بين النساء السود ارتفاعًا حادًا ليصل إلى 7.5%، وفق أحدث البيانات الحكومية، وهو معدل يفوق بكثير متوسط البطالة العام. ويُعزى ذلك جزئيًا إلى تخفيضات إدارة ترامب في القوى العاملة الفيدرالية التي أثّرت بشكل غير متناسب على هذه الفئة، كما ساهمت السياسات المعادية للتنوع والمساواة والشمول في تفاقم هذا التأثير.
ونقل موقع "أكسيوس" عن مايا وايلي، رئيسة مؤتمر القيادة للحقوق المدنية وحقوق الإنسان قولها إن "اختفاء مجموعات البيانات والمواد التاريخية يصعّب الكشف عن الفوارق العنصرية ومعالجتها".
وأضافت: "لقد شهدنا تراجعات من قبل، بعد إعادة الإعمار، وبعد حركة الحقوق المدنية. وفي كل مرة، كانت تُبرَّر بلغة جديدة ومخاوف جديدة... تتغير المصطلحات، لكن الاستراتيجية لا تتغير".
وقال مسؤول في البيت الأبيض لموقع "أكسيوس"، إن إدارة ترامب تركز على "استعادة المعيار الذهبي للعلوم بدل النشاط الأيديولوجي" وإلغاء "مبادرات التنوع والإنصاف والشمول المثيرة للانقسام" لتعزيز التوظيف وفق الكفاءة والجدارة.
وكانت الإدارة الأمريكية قد أوضحت أن مبادراتها السابقة خلال فترة ترامب الأولى، بما في ذلك التمويل الدائم للجامعات والمعاهد السوداء التاريخية (HBCU)، ومناطق الفرص، وإصلاح العدالة الجنائية عبر قانون "الخطوة الأولى"، تُعد دليلًا على سجلها في تعزيز التقدم الاقتصادي للأمريكيين السود.
من جانبه، قال مارك هـ. موريال، رئيس الرابطة الوطنية الحضرية، إن "عمليات الحذف، على نحو متناقض، تجذب المزيد من الاهتمام إلى تاريخ السود.
وأضاف: "إن محاولة محو التاريخ جعلتنا جميعًا أكثر إدراكًا لضرورة سرده".