يذهب خبراء إلى أن مقترحات "هدنة الميلاد" في أوكرانيا تواجه طريقاً مسدوداً بسبب الموقف الروسي المتصلب؛ إذ ترفض موسكو أي حلول مؤقتة أو "تهدئة موسمية" قصيرة الأمد.
وتعكس هذه الرؤية استراتيجية الكرملين القائمة على رفض "تجميد الصراع" والتمسك بفرض شروط تضمن ما تصفه بـ "السلام الدائم"، وهو ما تعتبره أطراف دولية محاولة لانتزاع مكاسب ميدانية وسياسية شاملة بدلاً من الاكتفاء بوقف عابر لإطلاق النار.
وجدد المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، التأكيد على أن أي هدنة مؤقتة قد تمنح الجانب الأوكراني فرصة لإعادة ترتيب صفوفه واستكمال عملياته العسكرية، وأن بلاده تبحث عن إنهاء الحرب وفق أهدافها وتأمين مصالحها الحيوية.
في المقابل، تواصل أوكرانيا الضغط من أجل وقف الضربات على البنية التحتية الحيوية، في محاولة لخلق مساحة إنسانية خلال فترة العيد، وهو ما أكده الرئيس فولوديمير زيلينسكي عقب محادثاته في برلين مع كبار المسؤولين الأمريكيين.
في الوقت ذاته، يوضح موقف نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف أن موسكو لن تتنازل عن أراضيها التي تعتبرها استراتيجية، بما في ذلك دونباس وشبه جزيرة القرم والمناطق التي تطلق عليها اسم "نوفوروسيا".
ورغم تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين حول التقدم "الملموس" في المحادثات، تبقى إمكانية الوصول إلى وقف شامل لإطلاق النار بعيدة، خاصة مع غياب روسيا كطرف مباشر في هذه الجولة من المفاوضات.
ويرى الخبراء أن مقترح "هدنة الميلاد" يواجه فيتو روسياً واضحاً، إذ تصر موسكو على أن أي تهدئة قصيرة لا تشكل أولوية استراتيجية لديها، وفي الوقت نفسه تسعى أوكرانيا والأوروبيون وأمريكا إلى تحقيق وقف مؤقت للنيران.
وأضاف الخبراء أن روسيا تفضل التوصل إلى "صفقة كبرى" أو تسوية شاملة للنزاع مع استمرار الخلافات الجوهرية حول الضمانات الأمنية ومستقبل الأراضي، ما يجعل أي هدنة مؤقتة مجرد خطوة غير حاسمة على طريق السلام.
ويؤكد د. نبيل رشوان، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، أن الحديث عن هدنة مؤقتة خلال أعياد الميلاد لا يعكس بالضرورة الموقف الحقيقي لموسكو من مسار الأزمة الأوكرانية.
وفي حديث لـ«إرم نيوز»، قال رشوان إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان قد ألمح لاحتمالية التوصل إلى اتفاق خلال عيد الميلاد (25 ديسمبر/ كانون الأول)، إلا أن روسيا تسعى، بحسب تقديره، إلى تسوية شاملة أو صفقة كبرى لإنهاء النزاع من جذوره، وليس هدنة قصيرة.
وأشار إلى أن الأوروبيين وأمريكا والأوكرانيين عقدوا اجتماعات مكثفة مؤخراً لتنسيق المواقف، وأنه لم تعد هناك عوائق حقيقية تحول دون بلورة اتفاق متكامل يُعرض على موسكو.
وأضاف الخبير في الشؤون الروسية، أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف صرح بأن روسيا رفضت 7 نقاط فقط من أصل 20 بندًا، ما يعكس وجود مساحة تفاوضية، لكنه يقلل من أهمية الحديث عن هدنة قصيرة.
وشدد رشوان على أن موسكو لا تُبدي حماسة تجاه هذا الطرح، معتبرًا أن الهدنة المؤقتة ليست أولوية استراتيجية، خاصة في ظل المخاوف من استغلالها لتكثيف الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا.
وأكد المحلل السياسي، أن الخلافات الجوهرية لا تزال تتمحور حول الضمانات الأمنية ومستقبل الأراضي، قبل أن يفتح الأوروبيون ملف التعويضات والخسائر وإمكانية تمويلها من الأصول الروسية المجمدة.
وأشار د. نبيل رشوان، إلى أن الجدية الأوروبية في مناقشة ما بعد الحرب توحي بقرب التوصل إلى هدنة طويلة الأمد، بينما روسيا لا تزال تفضل اتفاقًا شاملًا بدلًا من حلول مؤقتة.
من جانبه، قال فولوديمير شوماكوف، الدبلوماسي الأوكراني السابق، إن الولايات المتحدة أصبحت اليوم، وفق وصفه، كمن يؤدي دور محامي الدفاع عن روسيا، معربًا عن أسفه للتقارب الأمريكي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وأشار في تصريح لـ«إرم نيوز» إلى أن هناك محاولات واضحة للضغط على أوكرانيا ودفعها نحو تقديم تنازلات قسرية، قد تصل إلى إجبار كييف على قبول خيارات لا تخدم مصالحها الوطنية.
وأضاف الدبلوماسي الأوكراني، أن الحديث عن انسحاب القوات الأوكرانية من بعض المناطق المتنازع عليها لا يعني بالضرورة تحقيق السلام، متسائلًا: «من قال إن انسحاب أوكرانيا من هذه المناطق سيقود إلى استقرار حقيقي؟».
وأكد فولوديمير شوماكوف، أن السلام لا يمكن أن يقوم على التفريط بالأرض أو فرض حلول قسرية، مؤكدًا أن التاريخ أثبت أن بوتين لا يتخلى عن الأراضي التي يسيطر عليها بسهولة.
وأوضح شوماكوف أن أوكرانيا جادة في هدنة عيد الميلاد، لكن روسيا تعرقل المقترح، مشيرًا إلى أن أي تسوية سياسية لا تراعي السيادة الأوكرانية ووحدة أراضيها لن تؤدي إلى سلام دائم، بل قد تفتح الباب أمام جولات جديدة من الصراع.