يذهب خبراء إلى أن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول دفع القادة الأوروبيين باتجاه إنهاء الحرب في أوكرانيا لم تأت من فراغ؛ إذ لا يمكن فصلها عن حالة التوتر المتصاعد بين واشنطن والاتحاد الأوروبي بشأن إدارة هذا الملف الشائك.
ورغم الخلافات العلنية وتبادل الانتقادات الحادة بين ترامب والعواصم الأوروبية، إلا أن التحركات الأخيرة لـ"القارة العجوز" كشفت عن تحول عملي وملموس في مقاربة الصراع؛ حيث انتقل التركيز من دعم التصعيد العسكري إلى البحث الجاد عن مخرج سياسي يضع حداً للحرب، ضمن صيغة توازن بين الضمانات الأمنية والواقع الميداني الجديد.
وتعمق التشنج السياسي في العلاقة عبر الأطلسي مع طرح الخطة الأمريكية لتسوية الصراع التي قوبلت برفض واسع في كييف وعدد من العواصم الأوروبية، باعتبارها تفرض على أوكرانيا تنازلات إقليمية غير مقبولة.
وزادت حدة الخلافات مع التصريحات الحادة التي أطلقها ترامب بحق القادة الأوروبيين واتهامه لهم بالضعف، وذلك بالتزامن مع شعور أوروبي بالتهميش.
ووفقا للمراقبين، تحمل تصريحات ترامب دلالة مختلفة، وهي أن أوروبا لا تتحرك بدافع القناعة بالخطة الأمريكية، بل تحت ضغط الواقع؛ وهو ما دفعها إلى تبني خطاب أكثر براغماتية تجاه إنهاء الصراع.
ويرى المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأمريكية، توفيق حميد، أن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن القادة الأوروبيين تعكس اتجاها واضحا نحو الدفع باتجاه وقف الحرب مع روسيا، وليس الذهاب إلى مسار تصعيدي جديد، موضحا أن هذا الخطاب يعكس قناعة متزايدة داخل الغرب بأن أوروبا لم تعد قادرة على تحمّل الكلفة الاقتصادية والمالية للحرب لفترة أطول.
وكشف الخبير في الشؤون الأمريكية في حديث لـ«إرم نيوز» أن الموقف الأمريكي بات يستند إلى إدراك بأن القارة الأوروبية بحاجة إلى سلام حقيقي يضع حدا لحرب استنزفت جميع الأطراف، سواء روسيا أو الدول الأوروبية، محذرا من أن استمرار الصراع سيؤدي إلى تفاقم الأزمات داخل المجتمعات الأوروبية، خاصة اقتصاديا واجتماعيًا.
وأشار إلى أن الأزمات الاقتصادية التي تمر بها دول الاتحاد الأوروبي جاءت نتيجة مباشرة للتمويلات الضخمة التي خُصصت للحرب على مدار ما يقرب من 3 سنوات ونصف السنة، وهو ما انعكس سلبا على مستويات المعيشة وفرض ضغوطا متزايدة على الحكومات؛ ما يجعل خيار إنهاء الحرب أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.
ولفت إلى أن التحول في الخطاب الغربي يعكس إعادة تقييم شاملة لكلفة الحرب وجدواها، معتبرًا أن أوروبا تواجه ضغوطا داخلية متصاعدة تدفعها نحو تبني حلول واقعية، بما يرجح أن المرحلة المقبلة ستشهد تحركات سياسية أكثر جدية باتجاه إنهاء الحرب وترسيخ مسار السلام.
من جانبه، أكد المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، د. سمير أيوب، أن العديد من الدول الأوروبية تعمل بالتنسيق مع كييف على عرقلة مبادرة ترامب للسلام ومحاولة تفريغها من مضمونها الحقيقي.
وأشار أيوب في حديث لـ«إرم نيوز» إلى أن الحديث المتداول إعلاميا عن توافق أمريكي–أوروبي بنسبة تقارب 90% حول مبادرة ترامب لا يزال في إطار الاستهلاك الإعلامي، لا سيما أن روسيا لم تتلق حتى الآن أي صيغة رسمية للاتفاق.
وأضاف المحلل السياسي، أن أي توافق بين واشنطن والدول الأوروبية لا يُعد مفاجئا، باعتبار الطرفين جزءا من حلف شمال الأطلسي الذي يتبنى سياسة معادية لروسيا.
وأوضح أن الدول الأوروبية التي لا تزال تتحفظ على بعض بنود الخطة تحاول استخدام هذه النقاط لفرض شروط جديدة، من بينها إدخال قوات تابعة للناتو إلى الأراضي الأوكرانية، معتبرا أن هذا الطرح يمثل محاولة للالتفاف على الرفض الروسي لانضمام أوكرانيا إلى الحلف.
وأضاف الخبير في الشؤون الروسية، أن الاتحاد الأوروبي يدرس تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا عبر آليات شبيهة بالمادة الخامسة من ميثاق الناتو في خطوة تهدف إلى تعطيل المبادرة الأمريكية.
ولفت إلى أن الخلاف بين ترامب وأوروبا لا يرتبط بالعداء بقدر ما يتعلق بحسابات اقتصادية وتجارية، حيث يسعى ترامب إلى تسوية تحقق مكاسب اقتصادية، وفي الوقت نفسه تحاول بعض الدول الأوروبية إفشال هذه المعادلة أو الالتفاف عليها.
وأكد المحلل السياسي على أن الموقف الأمريكي لا يزال غير محسوم بشكل نهائي في ظل غياب قرارات عملية بوقف الدعم العسكري لأوكرانيا، محذرًا من أن ضغوطا داخلية في واشنطن إلى جانب تحركات أوروبية موازية قد تعرقل مبادرة ترامب وتعيد الأزمة إلى مربع التعقيد.