تتجه الأنظار غدا الخميس صوب تركيا، وسط حالة ترقب دبلوماسي وعسكري؛ إذ من المقرر أن تنطلق محادثات سلام روسية - أوكرانية، بعد طرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فكرة عقد محادثات سلام مباشرة مع كييف.
وتدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب علنا بدعوة نظيره الأوكراني فلودومير زيلينسكي لقبول العرض، مؤكداً أنه يفكّر في السفر إلى تركيا للمشاركة في اللقاء المحتمل الذي وصفه بـ"فرصة ذهبية".
ورد زيلينسكي على هذا الطرح عبر مواقع التواصل، قائلا: "سأكون في تركيا، وآمل ألا يتجنب الروس هذا الاجتماع. بالطبع، نتمنى جميعنا في أوكرانيا أن يكون الرئيس ترامب موجوداً معنا".
ومع الرغبة الأوكرانية في تحقيق اختراق دبلوماسي سريع للتخفيف من وطأة الحرب التي دخلت عامها الرابع، فإن الكرملين أحجم عن كشف ما إذا كان بوتين سيحضر بنفسه أم سيكلف نائبه أو وزير خارجيته بالمشاركة.
وردًا على أسئلة الصحفيين حول مشاركة بوتين، اكتفى الكرملين بالقول إنه سيعلن التفاصيل في الوقت الذي تراه موسكو ملائما.
الأستاذ الزائر في كلية الاستشراق بالمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، رامي القليوبي، قال إن المؤشرات كافة تفيد بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يشارك شخصيا في مفاوضات إسطنبول، وأن هناك احتمالية لإرسال وفد روسي منخفض التمثيل، أو في أفضل الأحوال، وزير الخارجية سيرغي لافروف.
وأضاف القليوبي، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن روسيا تتقدم حاليا على جميع جبهات القتال في أوكرانيا، ولا تجد ضرورة ملحّة لوقف إطلاق النار؛ إذ إن أي هدنة الآن ستعني وقف تقدم يعد الأسرع منذ ثلاث سنوات، وإضاعة فرصة للسيطرة على مزيد من الأراضي.
وأشار إلى أن مفاوضات إسطنبول - إن عُقدت - لن تسفر على الأرجح عن اختراق حقيقي، بل ستكون تمهيدا لجولات لاحقة، قد تدفع إدارة ترامب خلالها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نحو القبول بتسوية على أساس الشروط الروسية.
وأضاف الأستاذ بكلية الاستشراق بموسكو، أن هذه التسوية قد تشمل بقاء مقاطعة لوغانسك تحت السيطرة الروسية الكاملة، وفي الوقت نفسه تبقى أوكرانيا على أجزاء من دونيتسك، وبعض المناطق في زاباروجيا وخيرسون، خصوصا على الضفة الغربية لنهر دنيبر، التي تميل للغرب.
ومن جانبه، قال المحلل السياسي الخبير في الشؤون الأوروبية، كارزان حميد، إن اللقاء المباشر بين الرئيسين الروسي والأوكراني، رغم احتماله من الناحية البروتوكولية، لا يزال مستبعدا بسبب عوائق سياسية وقانونية.
وأوضح حميد في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن الرئيس بوتين رفض منذ البداية أي تفاوض مباشر مع زيلينسكي، واعتبره فاقدا للشرعية القانونية منذ مايو أيار الماضي، ولذلك فإن مشاركته في لقاء مباشر ستبدو تراجعا عن موقفه الراسخ؛ وهو أمر يتنافى مع صورته كرجل لا يتراجع عن مواقفه.
وأضاف الخبير في الشؤون الأوروبية، أن هناك أيضا مذكرة توقيف دولية صادرة بحق بوتين؛ ما يجعله عرضة للخطر القانوني إذا سافر إلى دولة ليست حليفا استراتيجيا، كتركيا، ورغم أن توقيفه مستبعد؛ لأنه قد يؤدي إلى حرب كبرى، فإن مجرد خروجه من دائرة الأمان يشكل تهديدا قانونيا.
وتابع حميد: "الحديث عن لقاء محتمل بين زعيمي موسكو وكييف يذكّر بمحاولة الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين لقاء جوهر دوداييف، حيث رفض الأخير معاملته كمسؤول تابع وأصر على الندية، وهو ما قد يتكرر مع زيلينسكي".
وأكد المحلل السياسي أن فرص السلام ضئيلة؛ لأن جذور الأزمة الأوكرانية عميقة ومتراكمة، مستبعدا الوصول إلى تسوية قريبة، ومتوقعا هدنة مؤقتة قابلة للتمديد، مع احتمالات عالية بانسحاب أوكراني لاحق، بينما تبقى موسكو متمسكة بشروطها، ورافضة لأي انسحاب إلى حدود ما قبل 2014 أو 2022.
وأشار إلى أن الفائز الحقيقي، حتى وإن فشلت المفاوضات، سيكون الرئيس دونالد ترامب، الذي قد يوظف الحدث سياسيا وإعلاميا، مدعيا أنه جمع الطرفين على طاولة واحدة.
ورأى حميد أن الكرملين يتحرك فعليا لإيجاد بديل عن زيلينسكي، وهو ما يشغل القيادة الروسية حاليا، معتبرا أن التصعيد العسكري أو جولات التفاوض المتقطعة ما هي إلا واجهة لهذه الاستراتيجية.