إعلام فلسطيني: غارات إسرائيلية متفرقة على قطاع غزة تقتل 13 فلسطينيا خلال الساعات الأخيرة
يشهد البيت الأبيض، اليوم الاثنين، اجتماعًا استثنائيًّا بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يحيط بهم سبعة من كبار قادة أوروبا، في محاولة لتشكيل جبهة موحدة بعد القمة المثيرة للجدل في ألاسكا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
قمة ألاسكا أطلقت أجراس الإنذار عبر العواصم الأوروبية. بوتين خرج منها دون أي عقوبات إضافية، ودون التزامات بوقف إطلاق النار، بل بمكاسب عسكرية جديدة على الأرض في دونيتسك.
والأخطر من ذلك أن ترامب بدا وكأنه يفتح الباب أمام "صفقة سريعة" قد تُجبر أوكرانيا على التنازل عن أراضٍ استراتيجية مقابل وقف الحرب.
قال مسؤول أوروبي بارز: "لقد رحّب ترامب ببوتين استقبال الفاتحين، بينما كان جيشه يواصل قصف المدن الأوكرانية"، معبّرًا عن مخاوف عميقة من تحوّل السياسة الأمريكية من الضغط على موسكو إلى مسايرتها، على حد تعبيره.
في السياق، أوضح دينيس كوركودينوف، الرئيس التنفيذي للمركز الدولي للتحليل والتنبؤ السياسي "DIIPETES"، أن اللقاء بين ترامب وبوتين في ألاسكا كان انتصارًا رمزيًا لموسكو، لكنه كشف أيضًا تحولًا استراتيجيًّا خطيرًا: تخلي واشنطن عن موقفها الصارم تجاه أوكرانيا لصالح "اتفاق سلام شامل" بشروط روسية.
وأضاف "كوركودينوف"، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن هذا التغيير أضعف كييف ميدانيًّا، إذ استغل الجيش الروسي غياب الضغط الأمريكي لتوسيع هجماته. كما أن تصريحات ترامب عن "التنازلات الإقليمية" وضعت زيلينسكي أمام معادلة مستحيلة بين الحفاظ على السيادة أو قبول خسارة أراضٍ.
وأكد أن "الضمانات الأمنية التي طُرحت غامضة وغير مضمونة، بينما ينحصر الحوار أكثر فأكثر في القناة الروسية–الأمريكية، مما يهمّش أوروبا وأوكرانيا معًا". والنتيجة وفق قوله: بوتين كسب شرعية وفرصة لتثبيت مكاسبه، وترامب قدّم نفسه كـ"صانع سلام"، فيما أوكرانيا باتت ورقة تفاوض لا أكثر.
من جانبه أشار هاني الجمل، رئيس وحدة الدراسات الأوروبية والاستراتيجية بمركز العرب والباحث في الشؤون الإقليمية والدولية، أن قمة ألاسكا قد لا توقف الحرب فورًا لكنها تفتح الباب أمام تفاهمات كبرى حول مناطق النفوذ بين واشنطن وموسكو.
وفق "الجمل"، تشمل التفاهمات ملفات اقتصادية وتكنولوجية وصفقات في الطاقة والقطب الشمالي، مقابل تنازلات جغرافية مثل الاعتراف بسيطرة روسيا على جزء من شرق أوكرانيا، وإعادة تموضعها في ليبيا، مع منح واشنطن امتيازات استراتيجية في ممر زنغزور جنوب القوقاز بما يتيح لها الضغط على الصين وإيران.
رد الفعل الأوروبي كان عاجلًا: خطوط الهاتف الساخنة لم تهدأ طوال عطلة نهاية الأسبوع، والنتيجة قرار جماعي بالانضمام إلى زيلينسكي في واشنطن. المستشار الألماني فريدريش ميرتس، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والأمين العام لحلف الناتو مارك روته – جميعهم وصلوا لإثبات أن مصير القارة لا يُرسم في غيابهم.
لكن وراء هذا "الاستعراض السياسي"، تظل الحقيقة مُرّة: أوروبا حتى الآن عاجزة عن صياغة استراتيجية دفاعية موحدة، وتعتمد على المظلة الأمريكية التي يبدو أنها تنكمش يومًا بعد آخر. كما أن التفاوت في القدرات العسكرية والاقتصادية بين دول الاتحاد يجعل الحديث عن "جيش أوروبي" أو "ردع ذاتي" أقرب إلى الشعار منه إلى الواقع.
ويرى معمر السليمان، الباحث في الشؤون السياسية، أن الانقسام داخل الاتحاد الأوروبي يضعف قدرته على اتخاذ قرارات حاسمة وسريعة، وهو ما يمنح موسكو ورقة ضغط إضافية سواء عبر التحكم في أسواق الطاقة أو من خلال استغلال بطء التنسيق العسكري، الأمر الذي يتيح لها مساحة أوسع للمناورة على حدود أوروبا وفي ملفات النفوذ الجيوسياسي.
ويؤكد "السليمان"، في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، أن الحديث عن "جيش أوروبي" لا يزال في إطار الشعارات السياسية أكثر منه واقعًا ملموسًا، فالدول الأوروبية تعاني تباينات كبيرة في القدرات والرؤى الاستراتيجية، وتعتمد بشكل شبه كامل على المظلة الأمنية لحلف الناتو، ما يجعل أي محاولة لتشكيل قوة عسكرية موحدة بعيدة المنال في المدى المنظور.
المفاجأة الكبرى في البيت الأبيض كانت استعداد ترامب – للمرة الأولى – لمناقشة ضمانات أمنية شبيهة بالمادة الخامسة من ميثاق الناتو، تمنح أوكرانيا مظلة ردع ضد أي عدوان روسي مستقبلي.
خطوة وصفها مبعوث أمريكي بأنها "تغيير لقواعد اللعبة"، لكنها أيضًا مشروطة بتوازنات داخلية معقدة ومعارضة متوقعة من بوتين، الذي يرى في أي التزام عسكري تجاه أوكرانيا تهديدًا مباشرًا لحدود روسيا الاستراتيجية.
المسؤولون الأوروبيون ينظرون إلى هذه الضمانات كفرصة نادرة لإنهاء الحرب دون التخلي عن استقلال أوكرانيا أو حرية خياراتها الجيوسياسية. لكنهم يدركون في الوقت نفسه أن أي التزام أميركي هش بطبيعته، خاصة في ظل نهج ترامب غير التقليدي والمتقلب.
أما عن الضمانات الأمنية لكييف، فيؤكد "الجمل"، في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، أنها تبدو الورقة الأخيرة بيد زيلينسكي بعد قبول روسيا بصيغة دفاع جماعي تشبه المادة الخامسة لحلف الناتو في أي اتفاق مستقبلي، معتبرًا أن هذه الضمانات مرتبطة بالمصالح الأميركية في تهدئة الصراع من أجل المضي قدمًا في اتفاقيات المعادن مع أوكرانيا، ما يجعلها نقطة محورية في أي تسوية قادمة.
المعادلة واضحة: إذا استطاعت أوروبا، بمساندة أمريكية، أن تقدم ضمانات أمنية فعلية لكييف، فقد يصبح التوصل إلى اتفاق سلام دائم ممكنًا. أما إذا بقيت منقسمة ومترددة، فسيخرج بوتين منتصرًا، وتفقد القارة أمنها لعقود مقبلة.
ووصف أحد الدبلوماسيين الأوروبيين الوضع الراهن، قائلاً "إن لم نكن على طاولة المفاوضات، سنكون على قائمة الطعام"، في إشارة إلى أن تجاهل أوروبا سيجعلها ضحية صفقات الآخرين.
ثمانون عامًا من الاستثمار الأمريكي في بناء نظام أمني أوروبي أكثر حرية واستقرارًا باتت على المحك؛ إذ إن أوروبا أمام لحظة الحقيقة: إما أن ترتقي إلى مستوى تحديها التاريخي، وتحوّل وحدتها من مجرد صور جماعية إلى قوة عسكرية وسياسية حقيقية، أو تُسجَّل في كتب التاريخ كقارة فشلت في الدفاع عن نفسها حين دقّت ساعة الخطر.