الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
ألقت المرحلة المتقدمة التي وصلت إليها عملية السلام الجارية بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني، بظلالها على التحالفات السياسية القائمة، وباتت تهدد تحالف المعارضة بانسحاب أكبر الأحزاب الكردية منه لصالح التحالف الحاكم.
وشهد الأسبوعان الماضيان، ملامح انقسام بعيد المدى بين حزب الشعب الجمهوري، وحزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، واللذين يشكلان أكبر كتلة معارضة في البلاد، ونجحا رغم عدم تحالفهما علناً في الانتخابات المحلية العام الماضي، بهزيمة حزب العدالة والتنمية الحاكم.
وبات حزب الشعب الجمهوري في موقف المعارض لمسار السلام بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني من وجهة نظر حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، بينما ينظر الأول للثاني على أنه انخرط في تحالف مع حزب العدالة والتنمية الحاكم بعد سنوات من العداء.
ويمثل حزب الشعب الجمهوري التيار العلماني في تركيا، بجانب كونه وريث مبادئ مؤسس تركيا، مصطفى كمال أتاتورك الذي شكل الحزب قبل 102 عام، وظل المنافس الرئيس لحزب العدالة والتنمية الحاكم في الانتخابات التي شهدتها البلاد طوال ربع قرن.
كما يمثل حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، الوريث لحزب الشعوب الديمقراطي المنحل، عندما حصل على 13% من الأصوات في انتخابات العام 2015، وصار أول حزب كردي يدخل البرلمان في تاريخ تركيا.
رفض حزب الشعب الجمهوري، الشهر الماضي، المشاركة في وفد برلماني يمثل الأحزاب السياسية، زار الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، في سجنه بجزيرة "إيمرالي" شمال غربي تركيا.
وكانت الزيارة شرطاً من قبل حزب العمال لإكمال مسار السلام، وطالب بها أيضاً حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، والذي يلعب دور الوسيط بين أنقرة وأوجلان، لضمان تخطي تلك العقبة.
وشكل موقف حزب الشعب الجمهوري مفاجئة لأكراد تركيا الذين صوت كثير منهم له في الانتخابات المحلية العام الماضي ولمرشحه الرئاسي كمال كليتشدار أوغلو في انتخابات 2023 التي جمع فيها أكثر من 25 مليون صوت رغم خسارته أمام الرئيس رجب طيب أردوغان.
رد زعيم حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، على انتقادات حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، لموقفه من لقاء أوجلان، وإشادة قادة الحزب الكردي بالتحالف الحاكم، بالقول إنها قد تكون "متلازمة استوكهولم"، في إشارة لظاهرة نفسية تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو مَن أساء إليه بشكل من الأشكال.
وقبل بدء عملية السلام، قبل نحو عام، كانت العلاقة بين التحالف الحاكم الذي يجمع حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية اليميني، من جهة، وحزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، من جهة ثانية، متوترة على خلفية سجن قيادات حزب الشعوب الديمقراطي المنحل، وبينهم القيادي الكردي البارز، صلاح الدين ديميرتاش المحكوم في عدة قضايا ترتبط بعلاقته مع حزب العمال الكردستاني.
لكن كل ذلك الخلاف اختفى منذ أكتوبر/ تشرين الأول عام 2024 عندما صافح زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، نواب الحزب الكردي بالتزامن مع دعوته الشهيرة لأوجلان للانخراط في عملية سلام لبَّاها الزعيم الكردي بالفعل.
وطوال عام كامل تتشارك فيها الأحزاب الثلاثة (حزبا التحالف الحكومي وحزب الديمقراطية والمساواة للشعوب) في دفع عملية السلام كما لو كانت في حلف واحد بالفعل، وبعيدة عن حزب الشعب الجمهوري الذي يعول على أصوات الأكراد في الانتخابات التي يطالب بتنظيمها مبكراً وقبل موعدها المقرر في 2028.
رد حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، على حديث أوزيل عن "متلازمة استوكهولم"، وفي أكثر من مناسبة وخطاب، قبل أن يدافع قيادي في حزب الشعب الجمهوري عن زعيمه أوزيل، ليدخل الطرفان في سجال عكس الخلاف بينهما.
وقالت الرئيسة المشتركة، للحزب الكردي، تولاي حاتم أوغولاري " على أوزيل بالقول، إن كلام زعيم حزب الشعب الجمهوري يعكس على أقل تقدير، "غياباً للعقل"، مضيفةً: " بصفتنا حزباً ديمقراطياً، فإننا نمثل تراثاً ثورياً واشتراكياً ووطنياً قاوم بلا كللٍ ولا مللٍ على مر التاريخ، رغم كل أشكال القمع. كما أننا نعرف الجلاد جيدا".
كما رد الرئيس المشترك الآخر للحزب، تونجر بكرهان، على أوزيل، وقال "إذا فتحنا كتاب الجلاد، وإذا ناقشنا الماضي، فستكونون جميعا مدينين".
ودعا باكيرهان، زعيم حزب الشعب الجمهوري، للتحدث بوضوح، إن كان معارضاً أو مؤيداً وداعماً لعملية السلام.
وأخذ الخلاف بعداً أكبر عندما تدخل الرئيس أردوغان فيه، منتقداً تصريحات أوزيل ضد حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، وقال إن عليه أن ينظر في المرآة ليعرف من هو الجلاد.
وعلى الجانب الآخر، دافع نائب رئيس المجموعة البرلمانية، في حزب الشعب الجمهوري، علي ماهر باشارير، عن زعيمه أوزيل، وقال إنه لم يقصد به حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب ولا عملية السلام الجاري التي أكد أن حزبه يدعمها.
ومن غير المتوقع أن يتصاعد الخلاف بين الحزبين المعارضين، بهدف عدم التأثير على عملية السلام الجارية، لكن من غير الواضح إن كان قد تسبب بشرخ بين الطرفين، سيمتد للانتخابات البرلمانية والرئاسية التي يسعى حزب الشعب الجمهوري لإقامتها قبل عام 2028.