يرى محللون أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوقف تمويل العمليات في أوكرانيا يضع الملف في أخطر مراحله منذ اندلاع النزاع، ويعيد ضبط المشهد التفاوضي بالكامل، مع وضع محادثات جنيف الأخيرة تحت مجهر دولي.
وفي جنيف، ناقش مسؤولون أمريكيون وأوكرانيون، بحضور مستشارين أوروبيين، الخطة الجديدة للسلام، التي تقلصت من 28 بنداً إلى 19، مع المحافظة على معظم أولويات أوكرانيا بشأن السيادة وسلامة الأراضي.
ورغم التفاؤل الحذر، لا تزال الخلافات قائمة، إذ يتمسك الجانب الأوكراني بثوابته ويرغب بلقاء ترامب، بينما تؤكد واشنطن أن "السلام أصبح ممكنًا".
ميدانياً، يزيد غياب الموقف الروسي واستمرار العمليات العسكرية تعقيد المشهد، ما يجعل أي تقدم رهناً بتنازلات صعبة من الأطراف كافة.
ويرى الخبراء أن وقف ترامب لتمويل الحرب شكل تحولاً حادًا دفع واشنطن لفرض مسار "السلام المشروط" على كييف، وجعل محادثات جنيف أول اختبار فعلي لهذا التغيير.
وأكد الباحث الاستراتيجي هشام معتضد أن خطوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوقف تمويل الحرب تمثل انتقالاً من مرحلة الدعم المفتوح إلى "السلام المشروط"، وهي إشارة واضحة إلى أن واشنطن لم تعد مستعدة لتحمل حرب طويلة بلا سقف.
ويعتبر الباحث الاستراتيجي في حديث لـ"إرم نيوز" أن محادثات جنيف كانت أول اختبار لهذا التحول، إذ كشفت حدود القوة الأمريكية بين استمرار دعم "الناتو" عسكريًا وإنهاء الدعم المالي، وهو توازن حساس فرض على كييف مقاربة أكثر واقعية لخطة ترامب.
وأشار معتضد إلى أن الجانب الأوكراني دخل جنيف بوعي جديد بأن الحرب لن تستمر بلا نهاية أمريكية، ما دفعه للتعامل مع خطة السلام بوصفها معادلة بقاء لا مجرد مقترح سياسي.
وأكد هشام معتضد أن الخلافات الجوهرية ما زالت قائمة، خاصة فيما يتعلق بسقف علاقة أوكرانيا بـ"الناتو" وطبيعة الحياد الذي تسعى واشنطن لفرضه مقابل ضمانات ردعية على موسكو.
وأضاف أن وقف التمويل يغير تلقائيًا حسابات الأرض ويمنح واشنطن ورقة ضغط تُسرع الوصول إلى صيغة تسوية، لافتًا إلى أن لحظة "الإجهاد الاستراتيجي" التي تعيشها الأطراف الثلاثة واشنطن وكييف وموسكو تجعل التقدم ممكنًا، لكنها لا تضمن نجاحًا حاسمًا.
ويرى الباحث الاستراتيجي أن مستقبل المحادثات مرهون بقدرة الولايات المتحدة على تحويل قرار وقف التمويل إلى قوة دفع سياسية تُقنع كييف بتسوية أمريكية وتدفع موسكو لقبول ترتيبات أمنية جديدة.
بدوره، أكد محمد عثمان، خبير العلاقات الدولية، أن واشنطن باتت أكثر جدية في دفع مسار التسوية في أوكرانيا، وأن التحرك الأمريكي الأخير أعاد الزخم إلى مفاوضات كانت شبه متوقفة.
وأشار في تصريحات لـ"إرم نيوز" إلى أن مبادرة الـ28 بندًا التي تميل في جوهرها إلى الرؤية الروسية وضعت كييف أمام خيارات صعبة بين رفض الخطة ومواجهة غضب ترامب أو قبولها بشكلها الأصلي بما يعنيه ذلك من تنازلات قاسية.
وأوضح عثمان أن الرئيس زيلينسكي اختار مقاربة ثالثة عبر الانفتاح على الخطة بدعم أوروبي واسع ومحاولة تعديلها، مستفيدًا من قوى داخل الكونغرس والمؤسسات الأمريكية.
وأشار خبير العلاقات الدولية إلى وجود تفاهمات أولية حول حذف عدد من البنود، بالتوازي مع مفاوضات تُجرى في الإمارات بين وفد أمريكي وآخر روسي لتقريب المواقف.
وحذر عثمان من أن البنود المتعلقة بـ"حياد أوكرانيا" وتبادل الأراضي وحجم القوات الأوكرانية تشكل نقاط اشتباك رئيسة، فالتعديل عليها قد يدفع موسكو للانسحاب، وأن الإبقاء عليها يزيد الضغوط على كييف.
واعتبر أن تشدد موسكو يبدو منطقيًا في ظل التقدم العسكري الروسي وفشل الجهود الدولية في محاصرتها خارج الغرب.