رأت مجلة "جون أفريك" الفرنسية أن أوروبا تفقد تدريجياً نفوذها في أفريقيا، القارة التي كانت شريكها التاريخي، في عالم يشهد تحولات كبرى في موازين القوى.
وبحسب تقرير للمجلة، فإنه "بينما تتسابق القوى الصاعدة لتعزيز حضورها الاقتصادي والاستراتيجي في القارة الأفريقية، تواصل أوروبا إطلاق مبادرات يغلب عليها الطابع النظري، وسط بطء في التنفيذ وتردد في الرؤية".
وذكر التقرير أن "أفريقيا اليوم باتت أكثر وعياً بمصالحها، ولم تعد تكتفي بالاستماع إلى الوعود، إنها تختار شركاءها، وتعيد التفاوض على علاقاتها، مطالبة بشروط واضحة تركز على التنمية الفعلية والتوظيف المحلي ونقل التكنولوجيا".
في المقابل، تعاني أوروبا صورة استعمارية لم تنجح بعد في تجاوزها، وتفتقر إلى خطاب موحد أو تأثير سياسي فعّال، وفق التقرير.
يأتي ذلك "في الوقت الذي تراجعت فيه الولايات المتحدة عن التزاماتها، لا سيما خلال فترة رئاسة دونالد ترامب الثانية، التي اتسمت بسياسات حمائية، بما في ذلك التهديد بحظر السفر لعدة دول أفريقية، وتقليص المساعدات الاقتصادية، وفرض رسوم جمركية مشددة على الصادرات الأفريقية".
واغتنمت الصين الفرصة لتعزيز حضورها، بهدوء وثبات، إذ موّلت، منذ مطلع الألفية، أكثر من 1300 قرض بقيمة تفوق 180 مليار دولار إلى 49 دولة أفريقية، بحسب مركز سياسات التنمية العالمية في جامعة بوسطن.
وتشمل مشاريع الصين بنية تحتية، من موانئ وسدود وطرق، إلى عقود زراعية وتعدينية، ما جعلها لاعباً أساسياً في إعادة تشكيل خريطة النفوذ في القارة.
في المقابل، تطلق أوروبا مبادرات مثل "بوابة العالم" (Global Gateway)، التي خصصت 300 مليار يورو لتعزيز الحضور الأوروبي في دول الجنوب، منها 150 مليار يورو لإفريقيا حتى عام 2027، إلا أن التنفيذ بطيء؛ فحتى نهاية عام 2023، لم يُنفذ سوى 20% من هذه التعهدات فعلياً، وكان أبرز ما تحقق هو مدّ كابل بحري (Medusa) بين أوروبا وشمال إفريقيا.
وأوضح التقرير أنه "رغم هذا التراجع، لا تزال أوروبا تحتفظ بأوراق قوة كبيرة: فهي المانح الأول للمساعدات العامة للتنمية عالمياً، وتُعد المستثمر الأجنبي الأول في القارة، بأكثر من 200 مليار يورو، إلا أن الاستمرار في خطاب القيم التاريخية لم يعد كافياً".
وخلص تقرير المجلة الفرنسية إلى أن "أفريقيا اليوم لا تريد مؤتمرات جديدة، بل شراكات اقتصادية حقيقية ونقل معرفة واستثمارات ملموسة، فإما أن تعيد أوروبا تموضعها وتُجدد أساليب تعاونها، أو تُفسح المجال لمنافسين أكثر ديناميكية وحضوراً في مستقبل القارة".