وصفت الحكومة البريطانية بدء تشغيل أولى خدمات القطارات المعاد تأميمها في عهد حكومة حزب العمال بأنه "فجر جديد" لقطاع السكك الحديدية في البلاد، وذلك بعد انطلاق أول قطار رسمي الأحد الماضي.
وقد أذِنَ هذا القطار ببدء مرحلة جديدة تحت مظلة شركة "ساوث ويسترن ريلوي" (SWR) المملوكة للدولة، وهو ما وصفته وزيرة النقل، هايدي ألكسندر، بأن البلاد بصدد "تحوّل ثقافي" في إدارة السكك الحديدية.
وأشارت ألكسندر إلى أن مزيدًا من التشريعات ستصدر هذا العام لإعادة هيكلة القطاع ودمج إدارة المسارات والقطارات تحت كيان واحد هو "سكك حديد بريطانيا العظمى" (GBR)، وفقًا لصحيفة "الغارديان".
ويُعد تأميم SWR أول خطوة تطبيقية في إطار "قانون خدمات السكك الحديدية العامة" الصادر عام 2024، والذي أقرّه البرلمان عقب الانتخابات العامة.
وقبيل انطلاق القطار، صرّحت ألكسندر: "أنا حقًا أشعر أننا أمام فجر جديد لسكك الحديد البريطانية، سنودّع 30 عامًا من الإهدار، وسوء الكفاءة، والإحباط العام، وسنتجه بخطى واثقة نحو مستقبل جديد يعتمد على المصلحة العامة، لا الربح الخاص".
وأضافت: "نعلم أن التغيير لن يكون بين عشية وضحاها، ولم نقل أبدًا إن التأميم عصا سحرية، لكنه بداية سباق حقيقي نحو سكك حديدية تناسب القرن الحادي والعشرين" وفق تعبيرها.
وستتولى شركة DFTO، المملوكة للحكومة، تشغيل SWR، وهي تدير حاليًا شركات أخرى أُعيدت إلى الملكية العامة بسبب مشاكل مالية أو تعاقدية.
وتخطط الحكومة لإعادة تأميم 9 شركات متبقية تدريجيًا بحلول نهاية عام 2027، وهو ما من شأنه، بحسبها، توفير 150 مليون جنيه إسترليني سنويًا من رسوم الإدارة فقط.
وقالت ألكسندر إن التغيير الحقيقي سيظهر عند تشكيل هيئة GBR، الكيان الجديد الذي سيتولى إدارة القطاع بأكمله، والمتوقع انطلاقه أوائل عام 2027.
وأضافت "حينها سيبدأ الركاب في الشعور بالفرق، ليس فقط من حيث تقليل الإلغاءات وتبسيط التذاكر، بل من خلال تحول ثقافي جذري يجعل قطاع السكك يعمل كفريق واحد".
كما شدّدت على أن الشركات المحلية التي ترتقي في أدائها ستحظى بشرف استخدام علامة GBR كدليل على التزامها بالخدمة العامة.
وعبرت شركة FirstGroup، التي كانت تدير SWR منذ عام 2017، عن فخرها بما أنجزته، مشيرة إلى استثمارات بمئات الملايين في تطوير القطارات وتحسين الخدمة، بما في ذلك إطلاق خدمات واي فاي سريع في الأسابيع الأخيرة.
أما حزب المحافظين، فانتقد الخطوة، وصرّح وزير النقل في الظل، جاريث بيكون، قائلًا: "تحدث حزب العمال كثيرًا عن فوائد التأميم، والآن عليهم أن يثبتوا ذلك عبر خفض أسعار التذاكر، وإنهاء الإضرابات، وتحسين جودة الخدمة".
من جهتهم، رحّب قادة النقابات العمالية بالخطوة، واعتبروها انتصارًا طال انتظاره، وقال ميك ويلان، الأمين العام لنقابة سائقي القطارات (Aslef) إن "الجميع في قطاع النقل يعرف أن الخصخصة كانت خطأ من البداية، حتى مارغريت تاتشر نفسها اعتبرتها خصخصة مبالغًا فيها".
لكن إيدي دمبسي، الأمين العام لنقابة RMT، أكد أن "المعركة لم تنتهِ بعد"، مضيفًا أنّ "التأميم خطوة مهمة، لكنها ناقصة طالما بقي عمال النظافة والحراسة وكاشفو التذاكر ضمن عقود خارجية، على الحكومة أن تعيد جميع العاملين إلى حضن القطاع العام دون تأخير إذا كانت جادة في الإصلاح".
من جهتها، رأت مجلة ViralMag أن إعادة تأميم السكك الحديدية البريطانية ليست مجرد تعديل فني، بل اعتراف بفشل النموذج الليبرالي المطبّق على النقل العام.
فبعد 30 عامًا من الخصخصة التي تم الترويج لها كثورة، تستعيد الدولة السيطرة مدفوعة بشعور الإحباط الشعبي تجاه خدمة أصبحت مرادفة للتأخيرات، وارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه، ونقص التنسيق.
ومع وصول حزب العمال إلى السلطة، تبدأ حقبة جديدة تمزج بين رموز قوية وطموحات هيكلية، ولكن خلف الشعارات اللامعة، تتم إعادة النظر بشكل أعمق في دور الدولة والمصلحة العامة.
