الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"

logo
العالم

ميناء شانكاي.. بوابة الصين الجديدة لتعزيز نفوذها في أمريكا الجنوبية

ميناء شانكاي في بيروالمصدر: (أ ب)

في شمال العاصمة البيروفية ليما، ينهض ميناء شانكاي كمَعلم استراتيجي جديد في خريطة التجارة العالمية، ليس فقط كمشروع بنية تحتية ضخم، بل كبوابة رمزية لتمدد النفوذ الصيني في أمريكا الجنوبية

وبحسب صحيفة "آسيا تايمز" فإن الميناء الذي كلّف 1.3 مليار دولار أمريكي في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، يُعد أول ميناء في الساحل الغربي لأمريكا الجنوبية قادر على استقبال أضخم سفن الحاويات في العالم.

ومع افتتاحه الكامل في نوفمبر 2024، لم يقتصر أثره على تعزيز التجارة الثنائية بين الصين وبيرو، بل تجاوز ذلك ليُعيد رسم توازنات القوة الاقتصادية في نصف الكرة الغربي، في وقت يتراجع فيه الدور الأمريكي في المنطقة.

ممر جديد يغيّر خريطة التجارة

قبل ظهور شانكاي، كانت الموانئ الأمريكية مثل لوس أنجلوس ولونغ بيتش ولازارو كارديناس في المكسيك تمثل نقاط العبور الأساسية للبضائع الصينية المتجهة إلى أمريكا الجنوبية. 

هذا النظام كان يمنح واشنطن سيطرة غير مباشرة على تدفقات التجارة الإقليمية، بفضل اعتماد الدول اللاتينية على البنية التحتية للموانئ الأمريكية.

أخبار ذات علاقة

مروحية بلاك هوك

البرازيل تعيد رسم "خريطة القوة" الجوية في أمريكا الجنوبية

لكن شانكاي غيّر هذه المعادلة بالكامل، فالميناء، بعمقه البالغ 18 مترًا وقدرته على استقبال السفن العملاقة التي تحمل حتى 24 ألف حاوية، ألغى الحاجة إلى المرور عبر أمريكا الشمالية. 

وبذلك، فقدت الولايات المتحدة جزءًا من نفوذها اللوجستي والرقابي على حركة البضائع الصينية.

وفي أبريل الماضي، دشّنت بكين أول خط شحن مباشر من قوانغتشو إلى شانكاي، متجاوزًا الموانئ الأمريكية، ومن المتوقع أن يعالج الميناء ما بين 1 إلى 1.5 مليون حاوية في عامه الأول، على أن ترتفع طاقته إلى 3.5 مليون حاوية سنويًا خلال سنوات قليلة.

ورغم أن هذه الأرقام لا تضاهي بعد أرقام الموانئ الأمريكية الكبرى، إلا أن الأثر الاستراتيجي للتحوّل واضح: الصين لم تعد بحاجة للوسيط الأمريكي في تجارتها مع القارة الجنوبية.

تأثير اقتصادي متصاعد

الاستثمار الصيني في شانكاي لم يقتصر على البنية التحتية فحسب، بل فتح الباب أمام إعادة توجيه شبكات التوريد في القارة؛ فالميناء يوفر نحو 10 أيام من وقت الرحلة ويخفض التكاليف بنسبة تصل إلى 20%، ما يعزز تنافسية الصادرات الأمريكية اللاتينية باتجاه الصين.

في بيرو، ارتفعت التجارة مع الصين بنسبة 15% في عام 2024 وحده، فيما بدأت دول مجاورة مثل الإكوادور وبوليفيا بإعادة توجيه صادراتها عبر الميناء الجديد.

أخبار ذات علاقة

ميناء تشانكاي في بيرو

الصراع إلى نصف الكرة الغربي.. الصين تبني إمبراطورية خرسانية في أمريكا الجنوبية

فالإكوادور، على سبيل المثال، تتوقع أن تتضاعف صادرات الموز والروبيان إلى الصين ثلاث مرات بفضل انخفاض تكاليف النقل والتبريد. 

أما بوليفيا، فقد وقّعت اتفاقيات جديدة لتصدير الليثيوم والمعادن النادرة عبر شانكاي، بدلًا من الطرق المكلفة عبر تشيلي والولايات المتحدة، ما يمنح الصين قدرة أكبر على التحكم في سلاسل توريد المعادن الحيوية التي تُعد ركيزة لصناعاتها التكنولوجية.

وبينما تُحوّل الصين بيرو إلى مركز إقليمي للشحن العابر، تصبح دول أمريكا الجنوبية أكثر اعتمادًا على البنية التحتية الصينية. 

هذا التكامل المتزايد يجعل من الصين الشريك التجاري الأساسي، ليس فقط في السلع، بل في المنظومات اللوجستية والاقتصادية التي تُعيد تشكيل وجه القارة.

الولايات المتحدة خارج المشهد

في المقابل، لم تُقدّم الولايات المتحدة بدائل مقنعة لمنافسة هذا التوسع الصيني، فبينما تكتفي واشنطن بتحذيرات دبلوماسية حول "أهمية الشفافية والأمن في مشاريع البنية التحتية"، تواصل بكين ضخ مليارات الدولارات في مشاريع ملموسة على الأرض.

محاولات الاستثمار الأمريكية في موانئ بيرو الأخرى، مثل ميناء كوريو الجنوبي، لم تتجاوز المباحثات النظرية، بسبب غياب التمويل والضمانات المسبقة.

وقد انعكست سياسة الانعزال التجاري الأمريكي، التي تعود جذورها إلى عهد إدارة ترامب وما تبعها من تعريفات جمركية مرتفعة، في تضاؤل العلاقات الاقتصادية مع أمريكا اللاتينية.

أخبار ذات علاقة

الصين تبني موانئ ضخمة في أمريكا الجنوبية لتلبية احتياجاتها من المحاصيل

الصين تستعد لـ"حرب الغذاء الكبرى" بإنشاء موانئ في أمريكا الجنوبية

ومع توقيع الصين اتفاقيات تجارة حرة مع بيرو وتشيلي والإكوادور، باتت هذه الدول تنظر إلى بكين كشريك أكثر موثوقية من واشنطن.

اليوم، يُعد ميناء شانكاي تجسيدًا حيًا لنجاح الصين في تحويل نفوذها الاقتصادي إلى نفوذ جيوسياسي؛ فمن خلال السيطرة على ممرات الشحن الجديدة، والمشاركة العميقة في سلاسل الإمداد، تمكنت بكين من ترسيخ وجودها في منطقة طالما اعتبرتها الولايات المتحدة "ساحتها الخلفية".

يمثل ميناء شانكاي أكثر من مجرد مشروع لوجستي؛ إنه إعلان عملي عن تحوّل ميزان القوة الاقتصادية في نصف الكرة الغربي. 

فبينما تبني الصين موانئ وجسورًا تجارية جديدة تربطها بأمريكا الجنوبية، تكتفي الولايات المتحدة بالمراقبة من بعيد. 

ومع استمرار هذا الاتجاه، قد يصبح ميناء شانكاي رمزًا لمرحلة جديدة من الهيمنة الاقتصادية الصينية وملفًا إضافيًا في سجل تراجع النفوذ الأمريكي العالمي.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC