كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير لها عن قيام الصين بإنشاء موانئ ضخمة في أمريكا الجنوبية، وذلك في إطار سعيها لتأمين احتياجاتها الغذائية، وسط مخاوف من تعثر سلاسل الإمداد الزراعي نتيجة الحرب التجارية المستمرة مع الولايات المتحدة.
وأدى تصاعد التوترات التجارية بين بكين وواشنطن إلى تعزيز حاجة الصين لتطوير منافذ بديلة لاستيراد محاصيل أساسية كفول الصويا والذرة من أمريكا الجنوبية، والتي تُعد الخيار الوحيد القابل للاستمرار في حال تراجع الإمدادات الأمريكية.
وتقود هذا التوجه شركة "كوفكو" (COFCO)، وهي تكتل حكومي صيني متخصص في تجارة الحبوب، حيث تخطط لإنشاء أكبر محطة تصدير من نوعها في العالم بالبرازيل، في خطوة تهدف إلى سد الفجوة المتنامية في أمن الصين الغذائي.
ورغم أن بكين نجحت خلال السنوات الأخيرة في تقليص اعتمادها على الغذاء الأمريكي، لا تزال الذرة وفول الصويا في مقدمة وارداتها من الولايات المتحدة.
ومع ذلك، تؤكد السلطات الصينية للمواطنين أن وفرة الغذاء مضمونة حتى من دون الاعتماد على المحاصيل الأمريكية، وهو ما يتطلب، وفق التقرير، تشغيل أكبر ميناء في أمريكا اللاتينية لهذا الغرض.
ويعد ميناء "سانتوس"، الذي يمثل بوابة رئيسة لصادرات أمريكا الجنوبية الزراعية، مركز الثقل في هذه الخطة الصينية، فبالإضافة إلى كونه ممرًا رئيسًا لفول الصويا وغيره من السلع الزراعية، يُعد الميناء نقطة الارتكاز الأهم في مشروع الصين لتأمين الإمدادات الزراعية من قارة تعاني في الأساس من ضعف في البنية التحتية، ولكنها تزخر بالإنتاج.
ويتزامن هذا التوسع مع تنفيذ مشاريع صينية أخرى كبرى، من بينها مد خطوط سكك حديدية تمتد عبر قلب البرازيل الزراعي، إضافة إلى استكمال بناء ميناء عميق المياه على ساحل بيرو بتكلفة تُقدّر بنحو 3.5 مليار دولار، ما من شأنه تسريع وتيرة التجارة مع آسيا.
وأوضحت الصحيفة أن شركة "كوفكو" تعمل على بناء أكبر محطة تصدير لها خارج الصين في هذا الميناء، حيث ستُستخدم لتخزين وشحن الذرة، وفول الصويا، والسكر.
ومن المتوقع أن ترتفع الطاقة التصديرية للمحطة من 4.5 مليون طن سنويًا إلى نحو 14 مليون طن، رغم أن بلوغ هذه القدرة القصوى لن يتحقق قبل العام المقبل.
ودخلت "كوفكو" السوق البرازيلية في عام 2014 عبر استحواذها على شركة "نيديرا" الهولندية لتجارة الحبوب، إضافة إلى الوحدة الزراعية لشركة "نوبل" ومقرها هونغ كونغ، ومنذ ذلك الحين، اعتمدت على محطات خارجية لتحميل الشحنات، ما تسبب في تكاليف إضافية تصل إلى نحو 15%.
وفي مارس 2022، حصلت الشركة على امتياز لمدة 25 عامًا لتطوير محطة "STS11" في ميناء سانتوس، مقابل التزامها باستثمار يبلغ نحو 285 مليون دولار.
وفي موازاة ذلك، استحوذ تكتل "تشاينا ميرشانتس بورت هولدينغز" الحكومي الصيني في عام 2017 على حصة بنسبة 90% في الشركة المشغلة لميناء "باراناغوا"، أحد أكثر الموانئ ازدحامًا في جنوب البرازيل، مقابل 925 مليون دولار.
كما شاركت شركة السكك الحديدية الصينية الحكومية في بناء مقاطع رئيسة من خط سكة حديد يربط قلب البرازيل الزراعي بموانئ تقع في الشرق والشمال، بينما أنشأت شركة "كوسكو" للشحن ميناءً ضخمًا عميق المياه على الساحل البيروفي لتعزيز التجارة بين أمريكا الجنوبية وآسيا.
وفي خطوة أكثر طموحًا، ناقشت بكين مع عدد من حكومات المنطقة مشروع إنشاء خط سكة حديد ضخم يربط سواحل بيرو على المحيط الهادئ بالموانئ البرازيلية على المحيط الأطلسي.
واستفادت البرازيل من التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب، حيث نجحت في تقليص حصة الصادرات الأمريكية إلى السوق الصينية، وبحلول عام 2023، كانت البرازيل تُزوّد الصين بنحو ربع وارداتها الزراعية، في حين تراجعت حصة الولايات المتحدة إلى نحو 14%.
وتُصدر البرازيل ما يقارب 70% من شحنات فول الصويا إلى الصين، ويمر نحو 30% منها عبر ميناء سانتوس، بينما تُشحن النسبة المتبقية عبر موانئ "باراناغوا"، و"إيتاكي"، و"باركارينا" في الشمال.