في ظل الغلاف الصدامي الذي يحمله التصعيد المتبادل بين واشنطن وطهران حول الوصول إلى اتفاق نووي، وما بين تلميح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مجددا بتدمير المنشآت النووية الإيرانية، واعتبار طهران ذلك خطا أحمر، يبدو أن إدارة المفاوضات تحتاج إلى عملية "إنعاش".
وعلى حد قول خبراء مختصين في العلاقات الدولية والشأن الإيراني، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، فإن هذا الإنعاش قد يتطلب وجود وسيط إضافي إلى جانب سلطنة عُمان من الكتلة الأوروبية، يكون معنيا بالفصل الأصعب في المفاوضات وهو "تخصيب اليورانيوم"، إلى جانب ضرورة تغيير المعادلات المتباعدة بين المفاوض الأمريكي ستيف ويتكوف، ومن يقابله على الجانب الآخر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، للوقوف على مسار يقرب المسافات بدلًا من توسيعها، لإنجاز الاتفاق المنتظر.
يأتي ذلك في وقت قال فيه وزير الخارجية الإيراني إن نظيره العُماني قدم، خلال زيارة قصيرة لطهران يوم السبت، بنود مقترح أمريكي يهدف إلى التوصل إلى اتفاق نووي بين طهران وواشنطن، وأضاف عراقجي في منشور على منصة "إكس" أن إيران "سترد على المقترح الأمريكي بما يتماشى مع المبادئ والمصالح الوطنية وحقوق الشعب الإيراني".
وسبق ذلك تصريح من ترامب قال فيه: "سيكون رائعًا أن نتمكن من التوصل إلى اتفاق مع إيران دون إسقاط قنابل في أنحاء الشرق الأوسط جميعها"، مشيرًا إلى أنه لا يمكن السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي.
ويرى الخبير في العلاقات الدولية، الدكتور أحمد الياسري، أن المفاوضات تحتاج إلى "إخراج فني" في ظل خلافات تقنية مرتبطة بتفاصيل الاتفاق وليس المضامين، مشيرا إلى أن العناوين تحمل رغبة مشتركة من الطرفين، في ظل حاجة إيران لعقد اتفاق للخروج من عنق الزجاجة بعد تراجعها الاستراتيجي والتفاعل الداخلي، وتوقيع ترامب قرارات "الضغوط القصوى" الجديدة، في ظل رغبة الرئيس الأمريكي في تحقيق إنجاز سياسي يُحسب له بعقد اتفاق نووي بالشكل الذي يريده.
وبحسب الياسري، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، فإن لغة التخاطب بين المفاوضين من واشنطن وطهران متناقضة، حيث لا ينتميان إلى "السجل الذهني" نفسه؛ ما يعرقل الوصول إلى اتفاق ويزيد من عدد جولات المباحثات.
وفسّر ذلك بالقول إن "ويتكوف" رجل عقارات وليس معنِيّا بإجراء مفاوضات نووية، على عكس "عراقجي"، لذلك فإن لغة التباحث بين المفاوضين بعيدة، لافتا إلى أن المفاوض الأمريكي لا يمتلك خبرة كافية في المفاوضات النووية والاتفاقات الاستراتيجية، في حين أن المفاوض الإيراني ليس رجل صفقات سريعة حتى يتم التوافق. ومع ذلك، فإن هذه المفاوضات تحمل تمسكًا من الجانبين بضرورة أن تفضي إلى اتفاق يحتاجه الطرفان.
ويتوقع الياسري أن تشهد الجولة السادسة مفاجآت، عقب جمود الجولتين الرابعة والخامسة، بعد أن وقف الطرفان على الرغبات المتبادلة وعادا بها إلى حكومتيهما، مشيرا إلى أن الجولة المنتظرة مؤهلة لتبلور رؤية مشتركة أو محاولة تخفيف سقف المطالب والشروط، حتى لو كانت محاطة بتلميحات ترامب لاستخدام القوة، التي هي امتداد لممارسة الضغط النفسي القائم منذ بدء التفاوض.
وأوضح الياسري أن التسوية بحاجة إلى دخول طرف آخر بجانب الوسيط العُماني، في ظل تراكم الملفات واستمرار الجلوس غير المباشر بين الطرفين، مما يعزز من تعثّر إنجاز الملفات. ويفضّل أن يكون الوسيط الإضافي أوروبيًّا معنيًّا بتقريب وجهات النظر الخاصة بالتخصيب، الذي يعتبر جدارا يعطّل إحراز نتائج ملموسة لتوقيع الاتفاق.
وتابع الياسري أن تخصيب اليورانيوم من الممكن التفاهم حوله، والعمل على قاعدة اتفاق 2015 بالتخصيب بنسب منخفضة، مع مشاركة أمريكيين في التفتيش بجانب مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ومن جانبه، يقول الخبير في الشأن الإيراني أصلان الحوري، إن ما تم الوصول إليه من عقبات وطريق مسدود في تحرير التفاوض للذهاب إلى مراحل متقدمة، قد يُفضي إلى حلحلة في الجولة السادسة، في ظل رغبة الطرفين في الخروج من عنق الزجاجة.
ويرجح الحوري، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن تشهد الجولة السادسة تحررًا عن الجولات السابقة، التي كانت متروكة لممارسة الضغوط والمماطلة، وإعطاء عكس المطلوب من كل جانب، رغبةً من كل طرف في الوصول إلى أقصى فائدة أو نتائج ممكنة، وسط ترجيحات بالذهاب إلى مسافات قريبة في نقاط عالقة.
وأضاف الحوري أن المفاوضات، في ظل هذه الظروف والأجواء، من المعروف أنها ستأخذ جانب التقاطعات المقصودة، في ظل تراكم الملفات ونقاط التماس القائمة عليها، فضلًا عن أن زهو تحقيق نصر سياسي دعائي أو مقاومة الآخر كان بمثابة فلسفة لا تزال قائمة، لكنها ستكون للاستهلاك الإعلامي بين واشنطن وطهران في الفترة المقبلة، أكثر من كونها ضالعة في التفاوض وما يحيط بكل جولة.
وأكد الحوري أن المفاوضات أيضًا بحاجة إلى ما أسماه بـ"عملية إنعاش"، تتيح صياغة عملية في النقاط التي يتم التوافق عليها وترتيب الملفات، وهو ما ليس حاضرا في ظل وجود تباين كبير في شخصية كل من ويتكوف وعراقجي. فمعادلة العمل بينهما يجب أن تتغير بوضع خطوط عريضة واضحة تفصل النقاط الخلافية عن الموضوعات العامة حتى يتم إنجاز الاتفاق، واللغة يجب أن تتوحد للوصول إلى نتائج إيجابية في أقرب وقت.
وأشار الحوري إلى أن توحيد لغة التفاوض في هذه المرحلة قد يتطلب أيضا حضور الوسيط الإضافي المطلوب، بغرض وضع ورقة حل نهائية لملف التخصيب وتقريب وجهات النظر فيه.