في محاولة لفرض قدر من النظام على مشهد أمني بالغ التعقيد، قررت السلطات في كينشاسا، منتصف ديسمبر، إنشاء "مديرية تنفيذية وطنية" لتنسيق أعمال ميليشيات "وازاليندو" الموالية للحكومة، والتي تقاتل إلى جانب الجيش ضد متمردي حركة "إم23" في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.
غير أن هذا القرار، الذي يبدو منطقياً على الورق، يواجه تحديات كبيرة على أرض الواقع، حيث لطالما عُرفت هذه الجماعات باستقلاليتها وصعوبة إخضاعها للسلطة المركزية، وفق مجلة "جون أفريك".
تُعد وازاليندو، المعروفة أيضاً باسم "ماي ماي"، شبكة واسعة من جماعات الدفاع الذاتي المحلية التي نشأت لمقاومة ما تعتبره "طموحات رواندا التوسعية".
وقد تعاظم دورها منذ عودة تمرد حركة 23 مارس المدعوم من كيغالي أواخر عام 2021، لتتحول إلى قوة ميدانية لا غنى عنها بالنسبة للجيش الكونغولي، رغم ما يرافق ذلك من توترات مستمرة.
تقاتل قوات وازاليندو إلى جانب القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية بدعم حكومي صريح، إلا أن العلاقة بين الطرفين لم تكن مستقرة دائماً.
ففي مدينة أوفيرا، التي سقطت بيد المتمردين في 10 ديسمبر، اندلعت اشتباكات بين الجيش النظامي ومقاتلي وازاليندو، ما عكس عمق الخلافات الميدانية.
ويقر المتحدث باسم الجيش، سيلفان إيكينج، بهذه الإشكالية قائلاً إن وازاليندو "يدافعون عن أرضهم بطريقتهم الخاصة"، مضيفاً أن الجيش يضطر أحياناً إلى مراقبتهم "حتى لا يتجاوزوا حدودهم".
لكنه يعترف في الوقت نفسه بأن الطرفين "لا يتحدثان اللغة نفسها"، في إشارة إلى الفجوة التنظيمية والعقائدية بين الدولة وهذه الجماعات التي بنت هياكلها الذاتية على مدى سنوات.
في هذا السياق، شارك ممثلون عن وازاليندو من محافظات شمال كيفو، وجنوب كيفو، وإيتوري، ومانييما، وتشوبو، وتنجانيقا، في مشاورات أفضت إلى تعيين دادي صالح مديراً تنفيذياً وطنياً، وويلي ميشيكي رئيساً لمجلس الإدارة.
ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها محاولة لإضفاء طابع مؤسسي على جماعات غير متجانسة بطبيعتها.
غير أن اختيار القيادات أثار تساؤلات. فبينما يُنظر إلى دادي صالح، الأكاديمي المتخصص في اقتصاديات التنمية، على أنه معارض قوي للنفوذ الرواندي، فإن ويلي ميشيكي، البرلماني المثير للجدل، يواجه انتقادات تتعلق بمصداقيته، رغم اعتراف البعض بجرأته ونفوذه داخل بعض جماعات ماي ماي.
يشكك باحثون في قدرة القيادة الجديدة على فرض سلطتها؛ ويتساءل هنري باسيفيك مايالا، الباحث في معهد إيبوتيلي، عما إذا كانت وازاليندو ستنصاع لتوجيهات كينشاسا، مذكّراً بعصيانها السابق لقرارات رئاسية، أبرزها رفضها تعيين قائد عسكري بسبب خلفيته العرقية.
ويؤكد ناشطون أن وازاليندو ليست كتلة واحدة، بل مجموعات تختلف دوافعها وتنظيمها من منطقة إلى أخرى، بل وحتى داخل الإقليم نفسه.
ويرى بينفينو ماتومو أن قرار كينشاسا يعكس في جوهره صراع نخب على النفوذ أكثر مما يعكس تمثيلاً حقيقياً للمقاتلين على الأرض، مشككاً في أن يرى هؤلاء أنفسهم ممثلين في القيادة الجديدة.
في المحصلة، تجد كينشاسا نفسها أمام معادلة شديدة الحساسية: وازاليندو قوة ميدانية لا يمكن الاستغناء عنها في مواجهة حركة 23 مارس، لكنها في الوقت ذاته جماعات يصعب ضبطها، ما يجعل محاولات تنظيمها اختباراً حقيقياً لقدرة الدولة الكونغولية على استعادة احتكارها لاستخدام القوة في شرق البلاد المضطرب.