تشهد أمريكا الجنوبية تحوّلًا سياسيًّا واضحًا منذ نهاية العقد الثاني من القرن الحالي، يتمثّل في صعود قادة يمينيين أو شعبويين يغيّرون قواعد اللعبة السياسية التقليدية في المنطقة.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، احتفل الرئيس الأرجنتيني المتطرف اقتصاديًّا، خافيير ميلي، في الـ15 من ديسمبر/ كانون الأول 2025، عبر حسابه على منصة "إكس"، بفوز خوسيه أنطونيو كاست في تشيلي على المرشحة الشيوعية جانيت خارا.
وأرفق ميلي خريطة لأمريكا الجنوبية توضّح خمس دول تحت حكم يميني "تشيلي، والإكوادور، وبيرو، وبوليفيا، والأرجنتين"، مقابل أربع دول يسارية "كولومبيا، وفنزويلا، والبرازيل، وأوروغواي".
وبحسب ميلي، كان بالإمكان إضافة السلفادور وبنما إلى قائمة الدول اليمينية.
وتشير تحليلات الصحيفة الفرنسية إلى أن هذه الشخصيات ظهرت نتيجة فقدان الثقة بالنخب التقليدية، التي لم تستطع تلبية التطلعات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية للمواطنين.
من جانبه، يقول فريديريك رولوت، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بروكسل الحرة: "التحولات السياسية أصبحت أقل انتظامًا لكنها أكثر تطرفًا، وشخصيات من خارج النظام التقليدي، بطابع يشبه أسلوب ترامب، مثل: ميلي وبوكيلي، أعادت رسم المنافسة الانتخابية".
بعد انتخاب هوغو تشافيز في فنزويلا عام 1999، سيطرت موجة يسارية على المنطقة حتى منتصف العقد الثاني من القرن الحالي، شملت تشيلي، والأرجنتين، والبرازيل، وبوليفيا، وأوروغواي، والإكوادور، وبيرو.
لكن تراجع أسعار المواد الخام وفضائح الفساد أضعف هذه الحكومات، وفتح الطريق لعودة القوى اليمينية، التي بدأها ماوريسيو ماكري في الأرجنتين عام 2015.
وأوضح التقرير أنه، إضافة إلى الاقتصاد، أصبح ملف الأمن أداة رئيسية لكسب الدعم الشعبي، كما أن إعادة هيكلة الجريمة المنظمة وتزايد قضايا الهجرة، مثل: تدفّق المهاجرين الفنزويليين إلى تشيلي، عزّزت شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة.
ويشير رولوت إلى أن "ميلي، وكاست، وبوكيلي يوظفون هذه الملفات بشكل إستراتيجي، مع أسلوب خطاب شعبوي وعنيف أحيانًا".
كما تراجعت الأحزاب اليمينية التقليدية أمام هذا التيار الجديد، الذي يعتمد خطابًا جذريًّا ويستقطب قاعدة واسعة من الناخبين.
ويضيف رولوت: "اليمين الكلاسيكي محاصر بين اليمين الشعبوي والتحالفات اليسارية المستمرة، ويكاد يختفي من المشهد".
وشدّد التقرير على أنه، رغم هذا التوجّه العام، لا تتشابه كل الأحزاب اليمينية الحاكمة في المنطقة؛ فميلي يتبنّى الليبرالية المتطرفة، وكاست محافظ كاثوليكي متشدّد، بينما يميل بعض القادة، مثل رودريغو باز في بوليفيا، إلى الوسطية.
لكن يجمعهم حدٌّ أدنى من الليبرالية الاقتصادية، وقربهم الإستراتيجي من الولايات المتحدة؛ ما يعزّز النفوذ الأمريكي في المنطقة.
وتابع التقرير أنه لا يمكن إغفال أن دولًا ديموغرافية مهمة، مثل البرازيل وكولومبيا والمكسيك، التي يبلغ عدد سكانها نحو 400 مليون نسمة، لا تزال تحت حكم اليسار؛ ما يوضح أن التحوّل نحو اليمين ليس مطلقًا.
وأشار إلى أن الانتخابات المقبلة، خصوصًا الرئاسية في كولومبيا المزمع إجراؤها في مايو ويونيو 2026، ستكون حاسمة، بعد اختيار الحزب الديمقراطي الجديد للسيناتورة بالوما فالنسيا كمرشحة، وهي داعمة قوية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وأكد تقرير "لوفيغارو" أن المشهد السياسي في أمريكا الجنوبية يشهد مرحلة من إعادة التوازن، حيث يزداد تأثير اليمين الشعبوي، ويستمر اليسار في الحفاظ على بعض معاقله، بينما تراجع اليمين التقليدي، مشددًا على أن الانتخابات المقبلة تظل اختبارًا حقيقيًّا لهذه التحولات، مع استمرار ظهور شخصيات قادرة على تحدي الأنظمة التقليدية وإعادة رسم خريطة القوى في القارة.