اعتبر خبراء أن صراع القوى الدولية والإقليمية على الطاقة والمعادن الأفريقية لم يكن وليد اللحظة، بل يعود إلى عقود مضت، لكنه شهد تصاعداً ملحوظاً بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
ويرى هؤلاء الخبراء أن هذا التصعيد يأتي في سياق سعي القوى الدولية والإقليمية لتعويض الخسائر الطاقية التي تكبدتها خلال الحرب، وتأمين مصادر جديدة للطاقة والمعادن. هذا التنافس المحتدم أضاف بعداً جديداً للصراع على القارة الأفريقية، التي أصبحت ساحة رئيسة للتنافس الاقتصادي والاستثماري.
وفي خضم هذا التنافس، تبرز الصين كلاعب رئيس، فقد نجحت في ترسيخ وجودها الاقتصادي والاستثماري في أفريقيا بشكل كبير؛ ما يجعلها منافساً قوياً للقوى الغربية والروسية.
وأوضحوا، أن الحرب الروسية الأوكرانية مثلت نقطة "صراع النّفوذ" بين القوى الكبرى ممثلة في الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وفرنسا، فبسبب العقوبات الاقتصادية المتبادلة بين روسيا والغرب على وجه التحديد، وجد الطرفان في أفريقيا "مجالا طاقيا" خصبا للتخفيف من وطأة العقوبات من جهة، وفضاء آخر "للحرب الباردة" بينهما.
ولم يجانب جوان فرانسوا أريغي مدير قسم أفريقيا الشمالية" في شركة "توتال إينرجي" النّفطية، الصواب حيث شبّه أفريقيا عامة ومنطقة الساحل تحديدا بجنّة "ألدورادو البترول الجديد"، وفي التّشبيه إثبات للقواسم المشتركة بين جنّة الأرض المفقودة "ألدورادو"، وجنّة الأرض الموجودة، وهي جنّة أفريقية ترفل بموارد الطاقة من اليورانيوم والنفط وغيرهما.
واصطلاح "الجنّة" في خطاب المدير الإقليمي لشركة "توتال" الفرنسيّة، له ما يبرره، فأفريقيا باتت تستحوذ على 13% من احتياطات الغاز العالمية وفي حال واصلت المشاريع القائمة الآن في القارة الأفريقية بالوتيرة ذاتها إلى سنة 2030 فإنّها قادرة على إضافة إنتاجية بـ120 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعيّ.
في السياق نفسه، ما تزال القارة الأفريقية تمتلك أكبر احتياطي من مادة اليورانيوم في العالم؛ إذ تعدّ ناميبيا من أكبر منتجي اليورانيوم في العالم؛ فاحتياطاتها تقدر بـ470 ألف طن، تليها جنوب أفريقيا بـ320 ألف طن، والنيجر بـ311 ألف طن، قبل بوتسوانا وتنزانيا.
ومع تحوّل العالم نحو مصادر طاقة نظيفة فإنّ احتياطات اليورانيوم تمنحها مكانة الفاعل الأساسي والمركزي في صياغة مستقبل إمدادات الطاقة العالمية.
أمّا في مجال النّفط، فإنّ احتياطات القارة الأفريقية من مادة النفط تمثل 7% من احتياطات النفط العالمية، وارتفعت حصتها من الاكتشافات النفطية العالمية إلى 35% في عام 2024 بعد أن كانت في حدود 7% فقط في عام 2023.
كلّ ما سبق وغيره أيضا، دفع القوى الكبرى إلى الالتفاف شطر القارة السمراء، وإلى البحث عن مواطئ أقدام لها هناك.
في غضون ذلك، تعيد مقدّرات الطاقة الأفريقية ترسيم الأدوار الجيو اقتصادية للدول الإقليمية والدولية في استرجاع لمقولة الراحل هنري كيسنجر في 2006: "قد تصبح المنافسة على اكتساب الطاقة بالنسبة لعدد كبير من المجتمعات مسألة حياة أو موت، إنه لمن السخرية أن تتحول اتجاهات الأنابيب وتموقعها مُرادفا عصريا للنزاعات الاستعمارية في القرن الـ19".
فالولايات المتحدة الأمريكية تنظر للنفط الأفريقي – وتحديدا نفط غرب أفريقيا- كـ"طاقة حيوية"، يصل مستواها إلى "المادة الوجودية"؛ إذ إنّ استهلاكها اليومي من النفط الذي يبلغ 20 بليون برميل يوميا، يتأتى 18% منه من غرب أفريقيا.
لذا فإنّ واشنطن تسعى إلى تثبيت وجودها في تلك المنطقة الاستراتيجية، خاصة وأنّها منطقة "أفريقية أطلسية" ومن ثم فإنّ تكلفة إمدادات النفط منها إلى الولايات المتحدة أقلّ تكلفة من النفط المتأتى من الشرق الأوسط.
وتؤكد مصادر غربية أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تكرّس وجودها في تلك المنطقة، من خلال طريقتين اثنتين: الأولى من خلال "الوجود العسكري الدائم ممثلا في أفريكوم"، والثاني من خلال تسهيل عمل الشركات الأمريكية العملاقة في مجال النفط وعلى رأسها "شيفرون تيكساكو"، و"إكسون موبيل"، و"ماراثون أويل"، و"أميرادا هيس".
في سياق الحاجة الملحة للنفط الأفريقي، تبدي الصين اهتماما كبيرا بوارداتها من النفط من أفريقيا. فثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم، الذي من المتوقع أن ترتفع وارداته إلى 13.1 مليون برميل يوميا في 2030، يستورد من أفريقيا أكثر من 35% من وارداته النفطية.
ويشير الأستاذ تامر محمد سامي المتخصص في قضايا الأمن القومي والدفاع الاستراتيجي إلى أنّ الصين وسّعت حصصها في مشروعات النفط والغاز الاستراتيجية المتكاملة في جميع أنحاء القارة؛ حيث تمثل شركات النفط المملوكة للدولة في الصين معا: شركة البترول الوطنية الصينية (CNPC)، وشركة النفط البحرية الوطنية الصينية (CNOOC)، وشركة البترول والكيماويات الصينية (سينوبيك)، خامس أكبر مستثمري الطاقة في أفريقيا، بعد شركات النفط العالمية الأوروبية (بريتيش بيتروليوم، وشل، وتوتال، وإيني).
أما روسيا، فقد صادق الرئيس فلاديمير بوتين على اتفاقية مع جمهورية "الكونغو برازافيل" لبناء خط أنابيب النفط من "بوانت نوار" إلى "لوتيتيه" و"مالوكو" و"تريشوت"، ويتوقع أن يتم الانتهاء من المشروع في غضون ثلاث سنوات، على أن يستمر تشغيله لمدة تتراوح بين 30 و40 عامًا.
وقبل ذلك، وقّع عملاق الطاقة الروسي “لوك أويل” في سبتمبر/ أيلول 2024 اتفاقية مع وزارة النفط في جمهورية الكونغو لتوسيع التعاون في مجالات استكشاف وإنتاج النفط.
أمّا في مستوى اليورانيوم، فإنّ الساحة النيجرية كانت شاهدة على تحجيم قوة استعمارية قديمة، وقد تكون شاهدة على حضور قوة دولية جديدة فيها.
إذ قررت السلطات العسكرية الحاكمة في النيجر في 19 جوان 2025، تأميم منجم "سومير" لليورانيوم، أحد أبرز المناجم في البلاد والذي كان يُدار بالشراكة مع المجموعة النووية الفرنسية "أورانو".
وبموجب القرار، أصبحت الدولة النيجرية تملك كامل الحصص في المنجم، بعدما أُقصيت "أورانو"، التي كانت تستحوذ على 63.4% من الأسهم وتدير عمليات التشغيل.
حيث أوردت جريدة "لوموند" في تقرير سابق أنّ مسؤولين روسيين وصينين دخلوا منذ شهر أبريل الفارط على الخط، وقدموا عروضا أكثر سخاء لنيامي، تتضمن مضاعفة الاستثمارات وتقديم وعود ببنية تحتية وتعاون عسكري وأمني متزايد.
وحسب مُراقبين، فإنّ نيامي التي اختارت السيادة الطاقية، قد تجد نفسها عاجزة عن إدارة هذا الملف لاسيما وأنه يحتاج إلى أمور لوجستية ضخمة، وهو ما قد يدفعها إلى اختيار شريك إقليمي جديد، لخلافة الشريك الفرنسيّ.
إذ يؤكد الباحثون في الشأن الأفريقي أنّ روسيا سعت إلى الاستثمار في اليورانيوم والذهب في النيجر، إلا أنّ المجالين كانا شبه محتكرين بالكامل من فرنسا، وعلى الرغم من اللقاءات الثنائية الروسية النيجرية إلا أنّ العلاقات لم تبلغ المستوى الذي ترمي إليه موسكو، من الوصول إلى حقول اليورانيوم.
ويبدو أنّ خروج باريس، سيفتح الشهية لدى موسكو وبيكين لتعويضها في أقرب الأوقات.
ويبدو أنّ موسكو متلهفة أكثر من بكين، لهذا الأمر، ذلك أنّ وصولها إلى القارة السمراء جاء متأخرا، واستثماراتها فيها أقل كثيرا من غيرها من القوى الدولية والإقليمية.
وهنا يشير الباحث إيهاب العاشق في دراسته حول النفوذ الروسي في أفريقيا إلى أنّه على الرغم من اعتماد روسيا على التجارة في اقتصادها مع الدول الأفريقية إلا أنها تمثل 14 مليار دولار فقط مقارنة بباقي القوى التي تبحث عن نفوذ لها في القارة؛ إذ تبلغ قيمة التجارة الأفريقية مع كل من الاتحاد الأوروبي والصين والولايات المتحدة 295 مليار دولار و254 مليار دولار و65 مليار دولار على التوالي.