انطلقت في منتجع شرم الشيخ المصري جولة جديدة من المحادثات غير المباشرة بين وفدي إسرائيل وحركة حماس، وسط رعاية مصرية ودعم أمريكي مباشر لخطة الرئيس دونالد ترامب الرامية إلى إنهاء الحرب المدمرة في غزة.
وتعد هذه الجولة، وفق مصادر دبلوماسية لوكالة "رويترز"، الأقرب إلى التوصل لاتفاق منذ اندلاع الحرب قبل عامين، حيث أبدى الطرفان تأييداً مبدئياً لـ"خطة ترامب" التي تنص على وقف القتال، وإطلاق سراح الرهائن، وتدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة مقابل انسحاب إسرائيلي تدريجي.
ويأتي هذا التحرك في توقيت رمزي حساس؛ إذ يصادف مرور عامين على هجوم 7 أكتوبر الذي أشعل الحرب وأدى إلى مقتل 1200 إسرائيلي وأسر أكثر من 250 رهينة، في حين أسفرت العمليات الإسرائيلية اللاحقة عن مقتل أكثر من 67 ألف فلسطيني ودمار هائل للبنية التحتية في القطاع.
ورغم أن ترامب دعا إلى "التحرك بسرعة" وأعلن أن المرحلة الأولى من الخطة يجب أن تُنجز خلال أسبوع، فإن تعقيد الملفات المطروحة وغياب الثقة بين الطرفين يهددان بإطالة أمد المحادثات؛ فحماس تطالب بضمانات دولية تلزم إسرائيل بالانسحاب من غزة بعد تنفيذ صفقة تبادل الأسرى، بينما تصر تل أبيب على إدراج بند نزع سلاح الحركة ضمن أي اتفاق نهائي.
تقول مصادر مصرية قريبة من المحادثات إن وفد حماس، برئاسة خليل الحية، يركز على ضمانات التنفيذ، خاصة بعد تجارب سابقة انهارت بسبب إخلال إسرائيل بالتعهدات.
وتطالب الحركة بجدول زمني واضح للانسحاب الإسرائيلي وتبادل الأسرى، إضافة إلى رفع الحصار المفروض على القطاع منذ 18 عاما.
في المقابل، يشدد الوفد الإسرائيلي، الذي يضم مسؤولين من الموساد والشين بيت ومستشار نتنياهو للأمن القومي، على ضرورة "نزع القدرات العسكرية" لحماس كشرط أساسي لأي انسحاب.
يمثل هذا الشرط، المكرر في خطة ترامب، العقبة الأبرز أمام تقدم المفاوضات؛ إذ ترفض الحركة أي خطوة من شأنها ترك غزة مكشوفة دون ضمانات سياسية حقيقية لإقامة دولة فلسطينية.
كما تسعى الأطراف الوسيطة، خصوصا مصر والولايات المتحدة، إلى صياغة آلية تدريجية تُربط فيها مراحل وقف النار بإطلاق سراح الرهائن وتبادل الأسرى، بحيث تتم مراقبة التنفيذ من قبل لجنة مشتركة تضم ممثلين دوليين.
لكن محللين يرون أن الفجوة في الثقة أعمق من أن تُردم بسهولة؛ إذ تخشى حماس من "خديعة سياسية" قد تنتهي بوقفها للنار دون تحقيق مكاسب ملموسة، بينما يخشى نتنياهو من غضب التيار اليميني داخل حكومته الذي يرفض أي تنازل قبل "تدمير كامل لقدرات حماس".
يواجه ترامب، الذي يسعى لتسجيل اختراق دبلوماسي سريع قبل الانتخابات الأمريكية المقبلة، تحديا مزدوجا يتمثل في تسريع المفاوضات من جهة، وإقناع إسرائيل بالتهدئة من جهة أخرى.
فقد طلب من تل أبيب تعليق عملياتها الجوية لإتاحة المجال للمحادثات؛ وهو ما انعكس ميدانياً بتراجع وتيرة القصف دون توقفه بالكامل.
وفي الساعات الـ24 الأخيرة، أعلنت وزارة الصحة في غزة مقتل 19 شخصاً في الغارات، أي نحو ثلث المعدل اليومي المعتاد؛ ما يشير إلى "هدوء نسبي" هش مرهون بمسار التفاوض.
ويبقى المشهد الإنساني في غزة كارثياً؛ إذ إن ثمة أكثر من مليوني نازح، انهيارا شبه كامل للنظام الصحي، وشحا في الغذاء والمياه.
وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن وقف النار لم يعد مطلباً سياسياً فحسب بل ضرورة إنسانية عاجلة.
في المقابل، تتزايد داخل إسرائيل الأصوات المطالبة بإنهاء الحرب لإعادة الرهائن؛ ما يضع نتنياهو أمام ضغط داخلي متصاعد. ومع ذلك، يبقى الموقف الرسمي متحفظًا، إذ يخشى الائتلاف الحاكم أن يؤدي أي تنازل إلى تصدع سياسي أو انهيار حكومته.
وبينما يؤكد المسؤولون الأمريكيون أن هذه الجولة هي "الفرصة الأخيرة" لوقف القتال، يشكك كثيرون في إمكانية تحقيق اختراق حقيقي دون معالجة جذرية لمطلب نزع السلاح ومستقبل الحكم في غزة.
فالمحادثات في شرم الشيخ قد تكون بداية مسار جديد، لكنها أيضا اختبار لقدرة واشنطن على فرض تسوية واقعية في صراع يتجاوز حدود غزة إلى عمق المعادلة الإقليمية برمتها.