logo
العالم
خاص

مساعدات عسكرية واستثمارات ناعمة.. الصين تعيد هندسة التوازنات في القرن الأفريقي

مساعدات عسكرية واستثمارات ناعمة.. الصين تعيد هندسة التوازنات في القرن الأفريقي
المؤتمر الثالث للسلام والتنمية في كمبالاالمصدر: منصة إكس
04 أغسطس 2025، 4:16 م

في خضم الصراعات المزمنة والتنافس الجيوسياسي المحتدم في القرن الأفريقي، لا تكتفي الصين بدور المتفرج، بل تُخطط بعناية لرسم ملامح المشهد الاستراتيجي في واحدة من أكثر مناطق إفريقيا هشاشة وتقلبًا.

ومع انعقاد المؤتمر الثالث للسلام والتنمية في كمبالا هذا الصيف، أطلقت بكين إشارة سياسية قوية مفادها: "الصين هنا لتبقى... وبقوة".

وفي مشهد دبلوماسي جمع ممثلين عن ثماني دول من شرق أفريقيا، تعهد المبعوث الصيني الخاص، شيويه بينغ، بـ"مشاركة فعّالة" في مسارات السلام والتنمية، في وقت تتزايد فيه التساؤلات حول النوايا الحقيقية لبكين، وحدود تأثيرها الفعلي.

شبكة طرق وسكك حديدية.. وممرات للنفوذ

في عمق الرؤية الصينية، لا تنفصل التنمية عن الاستراتيجية. فمشاريع البنية التحتية المليارية التي تضخها الصين في شرايين القارة – من سكة حديد أديس أبابا-جيبوتي، إلى خط تنزانيا-زامبيا، ليست مجرد استثمارات، بل أدوات للربط والتأثير الإقليمي طويل الأمد.

تُعد الصين حاليًا الممول الأول للبنية التحتية في أفريقيا، بدعم أكثر من 20% من المشاريع القائمة وإنشاء ما يزيد على 33% منها. وتظهر لغة الأرقام قوة هذا الزخم؛ فحجم التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا قفز إلى مستوى قياسي بلغ 295.6 مليار دولار في عام 2024، وواصل ارتفاعه في الربع الأول من 2025. والأكثر دلالة، كان قرار بكين بإلغاء كامل للرسوم الجمركية على واردات 53 دولة إفريقية – باستثناء إيسواتيني – ما فتح أبواب السوق الصينية على مصراعيها أمام المنتجات الأفريقية.

أخبار ذات علاقة

أعلام الصين والولايات المتحدة

تحذيرات أمريكية من سيطرة الصين على سلاسل توريد المعادن

 استثمارات ناعمة.. ودبلوماسية أمنية

بعيدًا عن المشاريع الضخمة، تتجه الصين نحو دعم أعمق للقاعدة الاقتصادية في إفريقيا، عبر تمويل أكثر من 350 شركة صغيرة ومتوسطة بقروض تجاوزت ملياري يوان (حوالي 275 مليون دولار أمريكي)؛ مما أسهم في خلق آلاف فرص العمل، خصوصًا في قطاعات الصناعة والطاقة والزراعة. هذه الأرقام ليست مجرد إنجازات اقتصادية، بل جزء من استراتيجية صينية لبناء نفوذ طويل الأمد عبر سلاسل القيمة المحلية.

رغم شعارات "عدم التدخل"، فإن الحضور الأمني الصيني بات أكثر وضوحًا. فمن نشر قوات حفظ السلام في جنوب السودان، إلى تدريب الكوادر الأمنية المحلية، وصولًا إلى القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي – الأولى خارج حدود الصين – والتي تحوّل دورها من دعم لوجستي إلى ما يوصف الآن بـ«قاعدة حماية» لمصالح بكين.

التحول الأمني يندرج ضمن مبادرة الأمن العالمي التي أطلقتها الصين، وهي تتبنى خطابًا يقوم على "التعاون لا الهيمنة"، في تباين واضح مع السياسات الغربية. ويدعم هذا النهج تركيز الصين على الحلول التي تقودها أفريقيا نفسها، عبر آليات مثل الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد".

ورغم هذه النجاحات، تبقى شكوك جدية تحيط بقدرة النموذج الصيني على معالجة الأزمات المعقدة في المنطقة. ففي دول مثل السودان وإثيوبيا، حيث تتشابك المصالح والنزاعات، تبدو الصين حذرة، تفضل الاقتصاد على السياسة، والتنمية على التدخل العسكري المباشر.

ويرى محللون أن التركيز على البنية التحتية والنمو الاقتصادي قد يدفع الأطراف المحلية نحو تسويات سلمية، لكنه يظل غير كافٍ أمام الحروب الأهلية العميقة، التي تتطلب أدوات دبلوماسية وأمنية أكثر جرأة.

صعود لا يمكن تجاهله

بين الوعود التنموية والتوغل الأمني الحذر، تبني الصين سردية جديدة في القرن الأفريقي، عنوانها: "شراكة لا استعمار، تنمية لا هيمنة".

وبحلول عام 2025، لم تعد بكين مجرد شريك اقتصادي، بل طرفًا فاعلًا يعيد هندسة التوازنات في منطقة تلهث وراء الاستقرار منذ عقود.

وتفتح الصين طرقًا وسككًا جديدة – حرفيًا وجيوسياسيًا – في أفريقيا، في زمن يتراجع فيه الدور الغربي التقليدي. وهنا يلوح سؤال في الأفق: هل يقود هذا المسار إلى استقرار حقيقي.. أم إلى صراع من نوع جديد على النفوذ؟

أخبار ذات علاقة

نواب أمريكيون خلال جلسة للكونغرس- أرشيفية

ممر لوبيتو في خطر.. هل تخسر واشنطن معركة النفوذ بأفريقيا لصالح التنين الصيني؟

 

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC