رأى مراقبون أن القمة العربية المرتقبة في بغداد لم تعد مجرّد حدث دبلوماسي، بل تحوّلت إلى اختبار سياسي داخلي، وسط انقسام حاد بشأن جدواها، وحديث متزايد عن استغلالها في معركة انتخابية مبكرة.
وتستضيف العاصمة العراقية بغداد في 17 أيار/ مايو، أعمال القمة العربية الـ 34، بمشاركة وفود من 21 دولة، في حدث يُعدّ الأكبر من نوعه منذ أكثر من عقد.
ومع تصاعد التحضيرات اللوجستية والإعلامية للقمة، بدأت بعض القوى السياسية بالترويج لهذا الحدث كـ"إنجاز"، في مشهد فسره مراقبون بأنه جزء من حملة دعائية مبكرة تهدف إلى تعزيز حضور رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وتحالفه الانتخابي.
وتحوّلت مسألة حضور الرئيس السوري أحمد الشرع إلى واحدة من أكثر نقاط القمة إثارة للانقسام، بعدما فجّرت الدعوة الرسمية التي وجهتها بغداد موجة انتقادات داخل قوى الإطار التنسيقي نفسه، بين من اعتبرها خطوة لتعزيز الحضور الإقليمي، ومن حذّر من توظيفها لأغراض انتخابية.
بدوره، رأى الباحث في الشأن السياسي، عادل الجبوري، أن ملف العلاقات العراقية السورية لا يزال يفتقر إلى التوازن، في ظل تباين المواقف داخل القوى السياسية تجاه النظام السوري الجديد.
وأوضح الجبوري لـ "إرم نيوز" أن "العلاقات بين بغداد ودمشق تعيش حالة من التأرجح بين الرغبة في التطبيع والتهديدات العلنية".
وأشار إلى أن "الحكومة تسعى لإعادة ترتيب العلاقة مع الرئيس السوري أحمد الشرع، إلا أن أصواتًا من داخل الإطار التنسيقي تعارض ذلك بشدة، وذهبت إلى حد التهديد في حال حضوره إلى بغداد".
وأضاف أن "بعض الفصائل المسلحة عبّرت عن رفضها لهذه الخطوات، كما أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وجّه انتقادات بسبب محاولات إعادة تشغيل خط النفط عبر سوريا، وهو ما يزيد من احتمالات غياب الشرع عن القمة المرتقبة".
ومنذ أيام، يحشد نواب مقربون من الميليشيات المسلحة لتظاهرات شعبية بالتزامن مع انعقاد القمة، احتجاجًا على ما وصفوه بـ "تقديم تنازلات دبلوماسية" وهو ما اعتُبر تصعيدًا سياسيًا ضمن معركة النفوذ داخل تحالف الإطار التنسيقي نفسه.
ودعا النائب مصطفى سند إلى وقفة احتجاجية مساء الاثنين، في البصرة، احتجاجًا على دعوة الرئيس السوري أحمد الشرع لحضور القمة العربية في بغداد.
وقال سند في دعوته العلنية: "إذا تأكد حضوره، فإن التظاهرة التالية ستكون في بغداد، لكنها ستُلغى في حال اعتذر من وصفه بـ "صاحب التاريخ الأسود" عن الحضور، في إشارة إلى الرئيس السوري.
وفي مسعى لمواجهة أي احتجاجات محتملة قد تُربك التحضيرات الجارية للقمة العربية المرتقبة في بغداد، أعلنت وزارة الداخلية العراقية، حظر تنظيم أي تظاهرة في العاصمة خلال الفترة من 11 إلى 20 أيار/ مايو الجاري، مؤكدة أنها لن تمنح أي رخصة للتظاهر، مهما كانت الأسباب، خدمية أو غيرها.
وشددت الوزارة، في بيان رسمي، على أن "أي محاولة للتظاهر خلال هذه الفترة ستُعد مخالفة للقانون، وهناك تعليمات صادرة بإلقاء القبض على كل من يحاول التظاهر"، مشيرة إلى أن القوات الأمنية ستتخذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق أي متظاهر يحاول إشغال القوات الأمنية عن واجباتها المكلفة بها خلال هذه الفترة".
بدوره، رأى سلام الزبيدي، القيادي في ائتلاف النصر، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، أن "هناك انقسامات داخلية وعدم رضا من بعض الكتل السياسية بشأن حضور الشرع، بسبب خلفياته السابقة المرتبطة بقضايا داخل العراق، لكن الحكومة تتعامل مع الملف من منطلق دبلوماسي ومؤسساتي لا شخصي".
وأضاف الزبيدي لـ "إرم نيوز" أن "العراق يتعامل مع سوريا كدولة وليس مع أشخاص، والسوداني يتحرك بدبلوماسية لتحقيق مصالح عليا للبلد" وفق تعبيره.
وتابع أن "بعض المواقف البرلمانية تنطلق من ردود فعل شخصية، لكن السياسة الخارجية يجب أن تُدار من السلطة التنفيذية"، داعيًا إلى "موقف موحّد يضمن نجاح القمة، بدلًا من الانقسامات والتصريحات التي قد تُستغل انتخابيًا".
وأكد الزبيدي أن "الانفتاح على الدول العربية وتحقيق التوازن الإقليمي ضرورة لنجاح الحكومة، وأن التعامل مع الشرع يجب أن يكون وفق المصالح العامة لا المواقف الشخصية، مع احترام القضاء في حال وجود دعاوى ضده".