تحولت أربيل، في مساء الخميس 11 ديسمبر/كانون الأول 2025 (أمس)، إلى محطة تفاوضية مفصلية في سباق تشكيل السلطة العراقية الجديدة، مع اجتماع ضم ممثلين عن الإطار التنسيقي والقوى السنية المنضوية في المجلس السياسي الوطني والكرد، إلى جانب ممثلين عن الأقليات، بهدف "حسم" مرشحي الرئاسات الثلاث ضمن تفاهم واحد.
مصدر سياسي عراقي مطلع على طبيعة النقاشات التي دارت في الاجتماع، تحدث لـ "إرم نيوز" عن اتجاه داخل الإطار نحو "مرشح تسوية" لرئاسة الوزراء، يكون قادرا على إدارة ملفات شديدة الحساسية، مثل: الحشد الشعبي، رواتب الإقليم، الموازنة، الديون، وشكل العلاقة مع واشنطن.
لكن؛ إلى أي نتائج توصل المجتمعون، وما فرص التسوية، وما هي خطوط "الفصائل" الحمراء وواشنطن؟
تفاهم على "السلة".. من دون إعلان نهائي
حتى اللحظة؛ لم يصدر بيان رسمي تفصيلي يحدد أسماء الرئاسات الثلاث أو يعلن الاتفاق النهائي. لكن المصدر السياسي أفاد بأن اجتماع أربيل ناقش منطق "السلة الواحدة" بمعنى "تمرير الرئاسات الثلاث في مسار متزامن" لتجنب تفكيك الصفقة بندا بندا داخل بغداد، خاصة مع حساسية استحقاق رئاسة الحكومة لدى الإطار، واستحقاق رئاسة البرلمان لدى السنة، ورئاسة الجمهورية لدى الكرد.
وتتقاطع هذه المعلومات مع التأكيدات الصادرة سابقا عن أن الإطار التنسيقي منح نوري المالكي تفويضاً لإدارة مفاوضات "صفقة الرئاسات" ومحاولة إنتاج تفاهم عابر للمكونات.
"مرشح التسوية".. لا اسم حتى الآن
يوضح المصدر بأن مرشح التسوية "لم يطرح اسمه سابقاً" وقد يُعلن في اجتماع لاحق للإطار. مضيفاً أن الإطار يريد شخصية غير مستهلكة إعلاميا لتقليل قدرة الخصوم على إسقاطها مبكراً، ولطمأنة الكرد والسنة في آنٍ معا، خاصةً أن أسماء التداول العلني داخل الإطار ظلت تدور (إعلامياً) بين أقطاب معروفة أو شخصيات مثيرة للجدل.
في هذا السياق، كان “إرم نيوز” قد نقل، قبل أسابيع، عن مصادر سياسية ومراقبين أن السباق داخل الإطار كان يُختزل بثلاثة أسماء؛ محمد شياع السوداني، حميد الشطري، نوري المالكي.
لكن قوائم أخرى تداولتها صحافة محلية خلال الأيام الماضية تحدثت أيضا عن أسماء جديدة في "القائمة المصغّرة" (من بينها محافظ البصرة أسعد العيداني ورئيس هيئة المساءلة والعدالة باسم البدري)، في مقابل تراجع حظوظ الشطري وفق روايات متفرقة، ما يعني أن "التسوية" قد تكون محاولة للخروج من معادلة (السوداني/المالكي) أساساً، وفقاً للمصدر، الذي أكد أن اسم مرشح التسوية لم يتأكد علنا حتى الآن من مصدر موثوق واحد، وما زال في نطاق "المقاربة" لا "القرار".
عقدة البيت الكردي
على الطاولة الكردية، لا تقف المعضلة عند "اسم رئيس الجمهورية" فقط، بل عند الثمن السياسي والمالي، بدءاً من الرواتب، حصة الإقليم من الموازنة، ملف النفط والديون، وصولاً إلى ترتيبات العلاقة المالية بين بغداد وأربيل؛ وهي ملفات وضعها المصدر نفسه ضمن "سلة التسوية" لرئيس الوزراء المقبل.
وفي خلفية ذلك، تشير مصادر "إرم نيوز" إلى أن الاصطفاف الكردي ليس متماسكاً بالكامل، وأن التنافس الحزبي داخل الإقليم ينعكس على موقف أربيل/السليمانية من مرشح الرئاسة ومن شكل الصفقة مع بغداد، وهو ما يجعل أي اتفاق نهائي مرهوناً بقدرة الكرد على تثبيت موقف موحد.
السنة: "رئاسة البرلمان" أولا
على الجانب السني، يبرز هدف قريب المدى، وهو حسم مرشح رئاسة مجلس النواب وتوحيد الموقف التفاوضي قبل الذهاب بعيداً في صفقة الحكومة والرئاسة، حيث أشار المصدر السياسي إلى اجتماعات لـ "المجلس السياسي الوطني" - الممثل للكتلة السنية - مخصصة لهذا الغرض، مع نقاشات مرتبطة بنتائج لقاءات سابقة مع الإطار.
وهذا يعني عملياً، وفق المصدر، أن السُّنة يحاولون منع تكرار سيناريو "التشتت" الذي يضعف شروطهم في أي صفقة شاملة، خاصةً إذا قرر الإطار تمرير الرئاسات وفق "سلة واحدة".
فيتو داخلي وآخر خارجي
العنوان الأكثر حساسية في اجتماع أربيل، وفقاً للمصدر السياسي العراقي كان الحشد الشعبي والعلاقة مع الإدارة الأمريكية. وهنا يظهر عاملان بحسب قوله؛ الأول هو الفيتو الداخلي الذي تضعه الفصائل حول مرشح يُفهم أنه يمضي إلى "تحجيم" نفوذها أو تفكيك امتيازاتها، حيق سيواجه مقاومة صلبة داخل البيت الشيعي، بما يعيد إنتاج الانقسام داخل الإطار.
أما الفيتو الخارجي فمصدره واشنطن، وقد حذر وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين علناً من أن مشاركة جماعات مسلحة مدعومة من إيران في الحكومة المقبلة ستعقّد علاقة بغداد بواشنطن. وبهذا يصبح "مرشح التسوية" مطالباً بتوازن شبه مستحيل، وفق المصدر، لأن عليه من جهة طمأنة الفصائل بأنه ليس مشروع مواجهة معها، ومن جهة أخرى طمأنة واشنطن بأنه قادر على إدارة علاقة قابلة للاستمرار.
ما المتوقع بعد أربيل؟
وفقاً للمعلومات التي رشحت عن اجتماع أربيل، قد يتجه الإطار إلى اجتماع حاسم "الأسبوع المقبل" للتصويت والتوافق على مرشح التسوية إذا نضجت الشروط. لكن المؤشرات المتاحة تقول إن صفقة أربيل - حتى إن تقدمت - ستظل معرضة لثلاث اختبارات سريعة، أولها اختبار الاسم، لأن إعلان شخصية التوافق قد يطلق حملة اعتراضات داخلية فوراً. وثانيها اختبار الكرد، فهل سيقبلون تسوية مالية/نفطية ملزمة مقابل تمرير الرئاسة؟
أما الاختبار الثالث، فهو مزدوج؛ اختبار الفصائل وواشنطن، ذلك أن أي جملة في برنامج الحكومة حول السلاح والعلاقة مع الأمريكيين قد تفجر الخلاف.
حتى ذلك الحين، يخلص المصدر إلى أن أربيل لم تُنتج "إعلاناً نهائياً"، لكنها -على الأقل- وضعت ملامح الطريق عبر سلة واحدة للرئاسات، ومرشح تسوية بلا اسم، بانتظار ساعة الحقيقة في بغداد.