الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
تشير المعطيات السياسية في بغداد وأربيل إلى أن مسار التفاهم على الرئاسات الثلاث في العراق ما زال معقدا، رغم الحراك الكثيف الذي أعقب انتخابات 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2025.
فبينما فوض "الإطار التنسيقي" زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي لإدارة مفاوضات حزمة المناصب الثلاثة (رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء، ورئاسة البرلمان)، يبقى البيت الكردي منقسما على مرشح رئاسة الجمهورية، في لحظة يُفترض فيها أن يكون الأكراد بيضة القبان في معادلة تشكيل السلطة.
أين وصلت مفاوضات الرئاسة الكردية؟
الوقائع المتداولة لدى أوساط عراقية وكردية تفيد بأن الحوارات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي) والاتحاد الوطني الكردستاني (اليكتي) دخلت جولة جديدة هذا الأسبوع، تتناول بالتوازي تشكيل حكومة إقليم كردستان الجديدة وتقاسم المناصب في بغداد، وبينها رئاسة الجمهورية، غير أن ملف الرئيس ما زال عنوان الخلاف الأبرز بين الطرفين.
وبحسب معلومات نقلتها وسائل إعلام كردية عن مصادر في الحزبين، حسمَ "الديمقراطي الكردستاني" قراره بترشيح وزير الخارجية العراقي الحالي فؤاد حسين لمنصب رئيس الجمهورية، مستندًا إلى أنه بات الكتلة الكردية الأكبر في البرلمان الجديد (نحو 28–31 مقعدا بحسب القراءات المختلفة)، وأنه حصل على أكثر من مليون صوت في الانتخابات الأخيرة، ما يمنحه - برأي قادته - "شرعية" المطالبة بالمنصب هذه المرة.
في المقابل، يدفع الاتحاد الوطني الكردستاني باتجاه الإبقاء على المنصب في معسكره عبر مرشحه نزار أميدي، مع التذكير بأن الرئاسة كانت تقليديا من حصته منذ 2005.
مصادر كردية مطّلعة تقول لـ"إرم نيوز" إن "السيناريو الأقرب حتى الآن هو تكرار تجربة 2018، أي الذهاب إلى بغداد بمرشحين كرديين متنافسين، واحد للبارتي وآخر لليكتي، وترك الحسم للتوازنات داخل البرلمان".
هذا الاحتمال تدعمه تحليلات صحف ومواقع قريبة من الطرفين، تتحدث عن "طريق مسدود" بين الحزبين، وانهيار أكثر من جولة حوار، وازدياد التوتر بين أربيل والسليمانية بعد أحداث قرية لاجان والتجاذبات حول تشكيل حكومة الإقليم العاشرة.
كيف يرى الأكراد الصراع داخل "الإطار التنسيقي"؟
من منظور القيادات الكردية، لا يُنظر إلى الصراع داخل "الإطار التنسيقي" على أنه أزمة عراقية عامة فحسب، بل بوصفه فرصة ضغط ومصدر قلق في آن معا. تقارير تحليلية عراقية تشير إلى أن الإطار، رغم كونه الكتلة الشيعية الأكبر (نحو 187 نائبا مع حلفائه)، ما زال منقسما بين معسكر يدعم ولاية ثانية لرئيس الوزراء المنتهية ولايته محمد شياع السوداني، وآخر يدفع لعودة المالكي أو لمرشح "توافقي" يدور في فلكه.
مصادر كردية تذهب إلى أن هذا الانقسام يمنح عمليا الأحزاب الكردية والسنّية "حق الفيتو" على أي مرشح لرئاسة الحكومة، وعلى صفقة الرئاسات ككل، خاصة أن الكتل الكردية والسنية مجتمعة تمتلك نحو ثلث مقاعد البرلمان، ما يجعل تجاوزها شبه مستحيل في أي استحقاق يتطلب أغلبية معززة كمنصب رئيس الجمهورية (ثلثا الأعضاء في الجولة الأولى).
لكن هذه "الفرصة" تحمل - وفقا للمصادر - وجها آخر للأزمة؛ فكلما طال أمد الخلاف الشيعي - الشيعي، وتأخر حسم مرشح رئاسة الوزراء، ارتفعت كلفة التفاوض الكردي داخليا؛ إذ يخشى جزء من النخبة الكردية أن يؤدي استمرار الانقسام بين البارتي واليكتي إلى دفع قوى شيعية وسنية نحو خيار "رئيس كردي توافقي" من خارج الحزبين، أو على الأقل من خارج الأسماء المطروحة اليوم، وهو سيناريو تحذر منه تحليلات عراقية وكردية على حد سواء.
ما مطالب الأكراد؟
في خلفية السجال حول اسم الرئيس، تتحرك "ورقة المطالب الكردية" التي ترى أربيل أنها يجب أن تُحسم في إطار سلة واحدة تشمل الرئاسات الثلاث والبرنامج الحكومي. بيانات رسمية صادرة عن حكومة إقليم كردستان خلال العام الجاري، وتصريحات لمسؤولين أكراد، توضح أن الأولويات الكردية تتركز في أربعة ملفات رئيسة، أولها الميزانية ورواتب الإقليم، حيث تطالب حكومة الإقليم بضمانات مكتوبة تضمن تحويل حصة الإقليم من الموازنة الاتحادية بشكل منتظم، وتمويل رواتب الموظفين كاملة دون استخدام هذا الملف كأداة ضغط سياسية كما حصل في السنوات الماضية.
أما الملف الثاني فهو النفط والغاز، إذ إنه رغم إقرار البرلمان العراقي تعديلات تهدف لتعويض الشركات العاملة في الإقليم وفتح الطريق أمام استئناف التصدير عبر ميناء جيهان التركي، لا تزال الخلافات قائمة حول من يدير الحقول ومن يوقّع العقود. وأربيل تريد تثبيت اعتراف عملي بحقها في إدارة الحقول الجديدة ضمن الدستور، مقابل التزامها بتسليم جزء من الإيرادات إلى بغداد.
ومن ضمن المطالب، يبرز ملف المناطق المتنازع عليها والمادة 14، حيث يعيد الأكراد طرح ملف كركوك والمناطق المتنازع عليها بوصفه جزءا لا يتجزأ من أي صفقة سياسية؛ فالمطالبة بتفعيل المادة 140 وإجراء استفتاء يؤطر وضع هذه المناطق، لا تزال بندا ثابتا في الورقة التفاوضية الكردية.
وكذلك وضع قوات البيشمركة والأمن في الإقليم، إذ تسعى القيادات الكردية إلى تثبيت صيغة تمويل اتحادي مستدام لقوات البيشمركة، مع الإبقاء على قدر من الاستقلالية في إدارة الملف الأمني داخل الإقليم، مقابل التنسيق العملياتي مع بغداد في مواجهة تهديدات "داعش" وبقية الجماعات المسلحة.
مصادر كردية قريبة من الحزب الديمقراطي تقول إن أربيل لن تمنح أصواتها بسهولة لأي مرشح شيعي لرئاسة الحكومة، ما لم تحصل على "ضمانات واضحة" في هذه الملفات، مستفيدة من نفوذ مسعود بارزاني المتجدد داخل المعادلة الكردية والاتحادية بعد الانتخابات، ومن حاجة الإطار التنسيقي لشراكة كردية – سنية تُخرج الحكومة من عنق الزجاجة.
سيناريوهات مفتوحة
وفق قراءات قانونية وبرلمانية عراقية، فإن استمرار الانقسام الكردي على مرشح رئاسة الجمهورية يفتح الباب على عدة سيناريوهات؛ إما الوصول في اللحظة الأخيرة إلى تسوية داخلية بين البارتي واليكتي على اسم واحد، مع حزمة تنازلات متبادلة في كركوك والنفط والبيشمركة؛ أو الذهاب إلى جلسة برلمانية بمرشحين متنافسين، كما في 2018، بما يتيح للقوى الشيعية والسنية ترجيح كفة طرف على آخر؛ أو - في حالة تعمق الشلل - طرح اسم "كردي توافقي" من خارج القيادة التقليدية للحزبين، وهو خيار يحذر منه الطرفان لأنه قد يكرس تراجع وزن الأحزاب الكردية التاريخية في بغداد.
في كل الأحوال، يبدو أن الرئاسة العراقية، التي اعتاد الأكراد التعامل معها كـ"ضمانة رمزية للمكوّن" منذ 2005، تحولت اليوم إلى ساحة اختبار لوحدة البيت الكردي وقدرته على استثمار لحظة الانقسام الشيعي – الشيعي دون أن يدفع ثمنها من رصيده الداخلي وموقعه في معادلة الحكم المقبلة في بغداد.