"بوليتيكو" عن مسؤولين دفاعيين: مسؤولو البنتاغون غاضبون من تغيير اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب
من برلين حتى بغداد، يُواصل مشروع السكك الحديدية غير المكتمل منذ زمن الحرب العالمية الأولى، سرد قصةٍ أخرى، ليست عن التجارة أو الاستقرار، بل عن أوهام ربط الشرق بالغرب بين أحلام الإمبراطوريات وصراعات القرن 21.
وبحسب تقريرٍ نشرته صحيفة "فورين بوليسي"، فإن مشروع الخط الحديدي برلين–بغداد بدأ عام 1903، في تحالفٍ بين ألمانيا القيصرية والدولة العثمانية؛ فبالنسبة للألمان، كان الهدف تجاوز قناة السويس وتثبيت النفوذ في الخليج، بينما رآه العثمانيون وسيلةً لإحكام قبضتهم على الأكراد والعرب والأرمن بعد خسارتهم البلقان، لكن مع ازدياد الشكوك حول وجود ثروة النفط في بلاد الرافدين، أصبح المشروع مطمعًا أكبر.
وتذكر الصحيفة أن هذا الخط الحديدي لم يكن مجرَّد مسارٍ لنقل الركاب والبضائع، بل أداة استراتيجية لتسهيل تحرُّكات الجيوش والسلاح؛ إذ كانت السكك في نظر إسطنبول امتدادًا للسيادة، وفي نظر برلين وسيلةً للضغط على لندن وقطع الطريق نحو الهند، لكنه ظل غير مكتمل، تُعرقله الجبال، والتوترات، والاصطفافات المتغيرة مع اقتراب الحرب العالمية الأولى.
وتجدر الإشارة إلى أنه بعد أكثر من مئة عام، تعود الفكرة في أشكالٍ أخرى؛ فتركيا تُسوّق "الممر الأوسط" عبر بحر قزوين لتفادي الاعتماد على روسيا وقناة السويس، كما أن العراق يطرح "القناة الجافة" لربط ميناء الفاو بتركيا وأوروبا، وانخرطت الصين في تمويل السكك في البلقان ضمن مبادرة الحزام والطريق، وانبرى الاتحاد الأوروبي يتحدث عن "تقليل المخاطر" ويُشدّد حدوده، لكن المشروعات مثل خط برلين–بغداد، تبقى ناقصةً أو متعثرة، تصطدم بالسياسة أكثر من الطبيعة.
ويرى خبراء أن المسار نفسه من هامبورغ إلى البصرة، يكشف أنماطًا متكررةً بما فيها محطاتٌ مغلقة، وخطوطٌ متوقفة، وحدودٌ مشددة، وفي بودابست فإن محطة كيلتي التي كانت بوابةً كبرى إلى الشرق، باتت رمزًا لسياسات إغلاق اللاجئين عام 2015، وفي بلغراد، فقد أشعل انهيار محطةٍ أُعيد ترميمها بتمويلٍ صيني، احتجاجاتٍ ضد الفساد، وفي إسطنبول، تحوَّلت مؤسَّساتٌ مالية كانت تُموّل المشروع إلى فنادق فاخرة، فيما تقف محطة حيدر باشا مغلقة.
وبحسب التقرير فإنه ورغم الإنجازات الهندسية، بقيت الجغرافيا حاجزًا حقيقيًا؛ فجبال طوروس عند ممر "سيليسيان غيتس" عطلت استكمال الخط زمن الألمان، ليبقى جسر "فاردا" الضخم شاهدًا على تحدي الطبيعة، لكنه كان نهاية طموحٍ لم يكتمل، واليوم، رغم تقنيات السكك السريعة، تظلُّ الحدود السياسية أكثر صعوبةً من التضاريس الجبلية.
وفي السياق ذاته، في العراق، كان الخط رمزًا لوحدةٍ جغرافية تحت سلطة واحدة، لكن تركة الدولة العثمانية والانتداب البريطاني أظهرت صعوبة فرض مركز قوي على أقاليم متعددة، كما مثَّلت السكك محاولةً لربط الهوامش بالمركز، لكنها لم تصمد أمام الانقسامات والحروب، حتى المشاريع الجديدة مثل "القناة الجافة" تواجه التحديات نفسها: فساد، نزاعات نفطية، وتدخلات خارجية.
وعلاوةً على ذلك تركت الإمبراطوريات الألمانية والعثمانية والإنجليزية بصماتها في البنية التحتية؛ لكن يكاد أثر آخر قوة كبرى، الولايات المتحدة، أن يكون معدومًا؛ لأن حرب 2003–2011 غيّرت موازين السياسة والأمن، لكنها لم تترك سككًا ولا جسورًا، على عكس خط برلين–بغداد الذي بقي أثرًا ماديًا ملموسًا، وتلاشى الوجود الأميركي بسرعة من المشهد العمراني.
وترى "فورين بوليسي" أن المشهد ذاته يتكرَّر على طول المسار، من مشروعاتٍ تبدأ ولا تكتمل، وأحلام بالربط تنهار أمام الحدود والحروب، من برلين إلى بغداد، ومن بغداد إلى البصرة، يبقى الخط الحديدي مرآة لتاريخ قرنٍ من الإخفاقات في ربط القارات، والسكك التي كان يفترض أن تختصر المسافات تحولت إلى رموز لوعد لم يتحقق، يذكر بأن الجغرافيا السياسية أكثر صلابة من أي قضبان حديدية.