كشف مصدر سياسي رفيع عن وجود خلافات وتداخلات كبيرة بشأن ملف الانسحاب الأمريكي من العراق، بسبب التطورات الأخيرة المتعلقة بخروج القوات من قاعدة "عين الأسد" في الأنبار، وغموضها بالنسبة للقوى السياسية.
وأكد المصدر لـ"إرم نيوز"، أن "جزءاً من الإرباك الحاصل يعود إلى غياب التنسيق بين بغداد وواشنطن، وهو ما جعل بعض الأطراف تعتبر الانسحاب خطوة أحادية الجانب، فيما يراه آخرون استكمالاً لاتفاقات سابقة".
وأوضح المصدر، الذي طلب حجب اسمه، أن "الحكومة العراقية لم تتلقَ أي إحاطة أو إنذار مسبق من واشنطن بشأن الخطوات الجارية حالياً، وهو ما أربك القوى السياسية التي فوجئت ببدء سحب المعدات الثقيلة من القاعدة ونقلها إلى مواقع أخرى".
وأشار إلى أن "الانسحاب الأمريكي بهذا الشكل المفاجئ خلق حالة من الجدل داخل البرلمان وأوساط القوى الشيعية والسنية والكردية، حيث يحاول كل طرف تفسير الخطوة بما يخدم أجندته".
وأضاف المصدر أن "انسحاب واشنطن جاء وفق الاتفاق المبرم مع بغداد، وليس نتيجة ضغوط أو إجبار، لكن المتغيرات الإقليمية المتسارعة فرضت على الجميع إعادة النظر في أهدافهم ورؤاهم، غير أن القوى السياسية العراقية لم تستثمر هذا التغير لإعادة صياغة العلاقة مع واشنطن أو لتأمين بدائل واضحة، بل بقيت منقسمة بين مؤيد ورافض، ما يزيد هشاشة الموقف العراقي".
ولم يصدر حتى الآن أي بيان أمريكي أو إعلان مشترك مع الجهات العراقية بشأن عملية الانسحاب، الأمر الذي أثار تساؤلات في الأوساط السياسية والشعبية حول طبيعة الخطوة.
ويعود ملف الانسحاب الأمريكي إلى اتفاق تم التوصل إليه بين بغداد وواشنطن، ويقضي بإنهاء المهام القتالية للتحالف الدولي ضد "داعش"، وتحويلها إلى شراكة أمنية تقتصر على التدريب وتبادل المعلومات الاستخبارية.
ووفق مصادر أمنية عراقية، من المتوقع أن تكون قاعدة "عين الأسد" خالية من القوات الأمريكية بالكامل بحلول منتصف شهر أيلول/سبتمبر المقبل، على أن تُغلق نهائياً في الـ15 من الشهر ذاته، بينما تبقى بعض المنظومات الجوية الأمريكية تحت إشراف فني مؤقت.
وتُعدّ هذه القاعدة واحدة من أهم المواقع العسكرية في العراق، إذ استخدمتها الولايات المتحدة منذُ عام 2003 كمركز استراتيجي، ثم عادت إليها في عام 2014 في إطار الحرب على "داعش".
ومارست الميليشيات العراقية المسلحة، عبر خطاباتها العلنية وتحركاتها الميدانية، ضغوطاً متواصلة على الحكومة خلال الأشهر الماضية للإسراع في إخراج قوات التحالف، معتبرة أن بقاء أي جندي أمريكي يُعد انتقاصاً من السيادة.
وتنوعت تلك الضغوط بين تهديدات سياسية وضغط عسكري وحتى تلويح بالتصعيد الميداني، الأمر الذي جعل جزءاً من الانسحاب الحالي يُقرأ كرسالة تهدئة لهذه الميليشيات، أكثر مما هو التزام أمريكي خالص بالاتفاق.
وبرغم بدء الانسحاب الفعلي، إلا أن القوات العراقية ما زالت تعتمد إلى حد كبير على الدعم الأمريكي في العمليات الميدانية، حيث نفذت العديد من العمليات ضد بقايا داعش في الأنبار ونينوى وصلاح الدين خلال الأشهر الماضية لكنها كانت بالتنسيق مع طائرات الاستطلاع الأمريكية، وباستخدام معلومات استخبارية زود بها التحالف الدولي القوات العراقية، وفق بيانات رسمية.
ويثير هذا الانسحاب قلق الأحزاب السنية التي ترى في خلو الساحة من التواجد الأمريكي فرصة سانحة للفصائل الموالية لإيران لملء الفراغ الأمني.
وترى القوى السنية أن التجارب السابقة أثبتت أن غياب التوازن في معادلة القوة يفتح الباب أمام تغوّل جماعات مسلحة على حساب السلطات المحلية والسكان، وهو ما قد ينعكس سلباً على الاستقرار في المحافظات الغربية.
بدوره، قال الخبير الأمني تحسين كمال إن "خروج الولايات المتحدة من قاعدة عين الأسد يعني فسح المجال أمام إسرائيل لتنفيذ ضربات عسكرية مباشرة ضد الميليشيات العراقية الموالية لطهران من دون الحاجة إلى التنسيق مع بغداد".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "المستقبل العراقي في هذه المرحلة سيتوقف على قدرة الحكومة في الحفاظ على توازن العلاقات الإقليمية، ومنع الفصائل من استغلال الفراغ الأمني والسياسي لتحقيق أجندات خارجية".
واعتبر أن "الفرصة متاحة أمام العراق ليعيد بناء شراكاته الدولية على أسس جديدة، لكن ذلك يتطلب إرادة سياسية صلبة واستراتيجية واضحة تتجاوز الحسابات الفئوية".
وفي خضم هذه التطورات، ذكر مصدر سياسي أن "ائتلاف إدارة الدولة سيعقد اجتماعاً خلال الأيام المقبلة لمناقشة ملف الانسحاب الأمريكي من العراق وتداعياته المباشرة، إلى جانب بلورة موقف موحد من المرحلة المقبلة".
وأوضح لـ"إرم نيوز"، أن "القوى الشيعية تحاول إشراك المكونات السنية والكردية في تحمل مسؤولية ما بعد الانسحاب، حتى لا تتحمل وحدها تبعات أي خلل أمني أو سياسي قد يحدث".
وأضاف المصدر، الذي طلب إخفاء اسمه، أن "النقاش داخل الائتلاف يتجه نحو تحميل الحكومة الحالية مسؤولية إيجاد بدائل للشراكة مع واشنطن، سواء عبر تعزيز التعاون مع دول أوروبية أو عبر فتح قنوات جديدة مع المنطقة، لكن الانقسام السياسي العميق يجعل من الصعب التوصل إلى صيغة متوازنة".