حدّد عضو اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب السوري، حسن الدغيم، يوم 18 أغسطس/ آب المقبل، موعداً تقريبياً لانطلاق أول انتخابات لمجلس الشعب في العهد الجديد، وقدّر أن تنعقد الجلسة الأولى لمجلس الشعب السوري الجديد في أول سبتمبر/ أيلول.
وشنّ الدغيم هجوماً عنيفاً على الشيخ حكمت الهجري وتياره "الكهنوتي الانفصالي"، متهماً إياه بالسعي للانفصال، واتهم قوات سوريا الديمقراطية، بالتعنت في رفض الاندماج، مع استمرار المساعي معها لإجراء الاستحقاق الانتخابي في مناطق سيطرتها.
ورفض الدغيم الاتهامات بتسييس التحقيق في مجازر الساحل السوري، لأنه "ليس من مصلحة الدولة ولا المرحلة الانتقالية أن يتم تسييس هذا الملف، معتبراً ذلك أمراً خطيراً. كما قلل من أهمية التصريحات الأمريكية المتضاربة بخصوص الإدارة السورية الجديدة، مشيراً إلى أن الإدارة الأمريكية تطلق الكثير من التصريحات المتداخلة، والغامضة، والمتناقضة .
يقول حسن الدغيم في مقابلة مع "إرم نيوز" إن اللجنة العليا للانتخابات وبعد تشكّلها، قامت بجولة على معظم المحافظات السورية باستثناء محافظة السويداء، التي "ننتظر هدوء الأوضاع فيها لتتم زيارتها". وأضاف : تم استمزاج آراء المواطنين السوريين عبر اللقاء بشرائح تخصصية ومكونات اجتماعية وثقافية ووجهاء وأعيان المجتمع السوري، وكانت اللقاءات تتسم بالتنوع سواء من حيث التوزع الجغرافي أو التنوع الثقافي والإنساني، وحضرها عدد كبير جداً من النخبة السورية.
وأوضح الدغيم: "استمزجنا آراء المواطنين في الآلية الانتخابية الجديدة "الإبداعية" في سوريا، وهي ما يسمّى المجمع الانتخابي في كل محافظة أو الهيئات الناخبة، ثم أجرينا الجولات التعريفية في المحافظات السورية، وفتحنا أبواب مجلس الشعب أمام الوفود والشرائح"، وأضاف: زارنا عدد كبير من السوريين، وعقدنا قرابة 40 جلسة، مع وفود من المحافظات السورية، ووفود تخصصية من: قانونيين، وحقوقيين، ونقابات، وعلماء، ورجال دين، ومنظمات مجتمع مدني، وصحفيين، وإعلاميين، ثم جمعنا كل هذه التوصيات، وحلّلنا المعلومات وقابلنا رئيس الجمهورية، وأطلعناه على نهاية الجولات التعريفية، ولقاء الوفود التخصصية، بانتظار المرسوم الرئاسي المتمم لإجراءات الاستحقاق الانتخابي، أو إصدار القانون الانتخابي المؤقت.
من حيث الجدول الزمني، يقول الدغيم إن الجولات التعريفية انتهت، وكذلك لقاء الشرائح التخصصية. وبعد أيام قليلة، ربما مع بداية الشهر المقبل، ستتم تسمية اللجان الفرعية، وكموعد أولي، سننتهي في 10 أو 12 أب/ أغسطس من اختيار اللجان الفرعية، كما سينتهي تصميم أسماء الهيئات الناخبة ليُفتح باب الطعون أمام الجمهور حتى 18 آب، وهو الموعد التقريبي لإجراء الاستحقاق الانتخابي، وفيه تُعلن النتائج الأولية لانتخاب 100 عضو من أعضاء مجلس الشعب السوري، ثم، في 22 من آب، تُعلن النتائج النهائية. وقدّر الدغيم أن، أول أيلول/ سبتمبر من عام 2025، سيكون موعد انعقاد الجلسة الأولى لمجلس الشعب السوري.
أما المعايير التي يتم ركون إليها لاختيار أعضاء مجلس الشعب ضمن شريحتي "المثقفين" و"الأعيان"، فأوضح الدغيم أن ثمة معايير عامة كالنزاهة، والصدقية، والموثوقية، والكفاءة العلمية، أو أن يكون العضو مسموع الكلمة في قومه، ومعروفاً في محلته.
"عندما نقول مثقفين" كما يشرح الدغيم، فالقصد هو أصحاب الشهادات العلمية والتخصصية كالفقه الدستوري، والقانون الدولي، والقانون التجاري والإداري، وأيضاً قوانين النقابات بعمومها، وأيضاً هناك أيضاً الخبرة السياسية، لأن مجلس الشعب المقبل سيصدر قوانين في الأحزاب، وتنظيم الحياة السياسية والدستورية، وغير ذلك.
ويضيف: "أما عندما نقول الأعيان، فالمقصود بهم أعمدة المجتمع وأركانه مسموعي الكلمة بين الناس، والذين ضحوا وعملوا كثيراً على مجالس الصلح بين الناس، وعلى قيادة مبادرات المجتمع المدني، وإصلاح ذات البين، والتقريب بين وجهات النظر، ودعم المبادرات الوطنية، والتضحية أثناء الثورة السورية، وأيضاً مساندة الدولة في إنجاح المرحلة الانتقالية". على حد وصفه.
يبرّر الدغيم استئثار الرئيس بتعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب، فيقول: "بعد مؤتمر النصر فوّض المؤتمرون رئيس الجمهورية بتسمية أعضاء المجلس التشريعي، ولكن مع النقاش في لجنة الإعلان الدستوري، تم الإقرار بمادة دستورية أن الرئيس يعين فقط ثلث أعضاء المجلس، بينما يختار الشعب السوري الثلثين عبر الهيئات الناخبة. مبيّنا أن "الثلث الذي يعينه الرئيس، وفقا للإعلان الدستوري، يهدف لضمان التمثيل العادل والكفاءة".
ويوضح الدغيم "هناك تخصصات قد تكون دقيقة ونادرة كالفقه الدستوري أو القانون الدولي أو القانون التجاري، وأصحاب هذه الاختصاصات قد لا يكونوا معروفين بين الناس بسبب انهماكهم في الحياة العلمية، ومجلس الشعب بحاجتهم، لأننا أمام ثورة تشريعية في مجلس الشعب، فلابد من وجود هذه الاختصاصات"، وبالتالي فإن الثلث الذي يقوم رئيس الجمهورية بتعينه هو لضمان وجود هذه الاختصاصات في مجلس الشعب، كما يقول.
ويلفت الدغيم إلى أن "ثلث الرئيس" يمكن أن يشكل ضمانة لتمثيل أوسع للمجتمع السوري المتنوع من الناحية الديمغرافية والثقافية والدينية، "قد يكون هناك إخوة أو أخوات من الأكفاء في مكوناتهم الثقافية أو طوائفهم، وقد لا تسعفهم العملية الانتخابية أو الترشح، أو هناك مغتربون ربما تحصّلوا على كفاءات عالية، والدولة بحاجة لخبراتهم، وهم غير معروفين في أماكن سكناهم، وهذا الثلث لضمان تمثيل هؤلاءالذين سيتعزز بهم السلم الأهلي في سوريا، وتتحصل أيضاً الكفاءة العلمية والاجتماعية."
بالنسبة لقضية السويداء والأحداث التي شهدتها المحافظة، يرى حسن الدغيم أن الدولة السورية بذلت ومنذ يوم التحرير، كل جهود اللين، والدبلوماسية، والحكمة، لإدخال مؤسسات الدولة بطريقة تشاركية وناعمة عن طريق وضع خطط رتيبة لإدماج الفصائل المحلية والشخصيات الوطنية والأكاديميين والنخبة في محافظة السويداء في دوائر الدولة، مراعاةً لبعض الحساسيات الثقافية والمناطقية.
ويقسم الدغيم السويداء إلى تيارين: "تيار وطني هو التيار الغالب في السويداء، لأن أغلبية أهل السويداء مع الدولة السورية ومع وحدة سوريا أرضاً وشعباً". لكن بالمقابل يتهم الدغيم ما سمّاه "التيار المرتبط ببعض رجال الدين وعلى رأسهم حكمت الهجري، والمرتبط أيضاً ببعض الفصائل التي اعتادت السطو، والتهريب، والاعتياش على المخدرات، وضمت إلى صفوفها بعض فلول النظام البائد الذين يخشون على مصالحهم الضيقة، وهذا التيار يفكر بأوهام مستحيلة عقلاً ومنطقاً بخلق شبه دولة أو إقليم انفصالي في السويداء.
وأضاف: "يستقوي هذا التيار بالتعامل والتواصل مع الاحتلال الإسرائيلي، ورأينا ذلك سافراً بمناصرة الطيران الإسرائيلي خلال في الأيام الماضية، عبر قصف العاصمة دمشق، وضرب وزارة الدفاع، وأرتال وزارتي الدفاع والداخلية، ما أدى لارتقاء عدد كبير من شهداء وزارة الدفاع، والأمن العام، والمواطنين".
ويعترف الدغيم بأن الأحداث كانت قاتمة ومأساوية وسوداوية، ولكن الدولة ما زالت تفكر بالصبر والحكمة على حد تعبيره، مشيراً إلى أنها دخلت إلى محافظة السويداء لا لقتال طرف لحساب طرف آخر، وإنما كقوات فض نزاع، وتأمين وحماية المدنيين، وفتح المسالك، وتأمين الطرقات، وإمداد المحافظة بالإغاثة والأمور الإنسانية، وأيضاً تمكين مؤسسات الدولة شيئاً فشيئاً.
لكن ما حصل، وفقًا لقراءة الدغيم، أن "التيار المستقوي بإسرائيل ما زال على عنجهيته، ويرفض الحل كما رفض دخول محافظة السويداء، وتم إنزال علم الدولة السورية ورفع علم طائفي أو حتى علم الاحتلال الإسرائيلي، وتعرض الأمن العام لكمائن من العصابات الخارجة عن القانون، وأيضاً تم الغدر بكثير من العاملين في الدولة، ومنهم العاملون في الدفاع المدني. كما تم رفض دخول الوفد الحكومي المؤلف من وزير الصحة، ووزير الطوارئ، ووزيرة الشؤون الاجتماعية، والعمل، وتم إحداث تهجير ديمغرافي لمئات بل آلاف من أبناء شعبنا المنتمين للعشائر العربية من محافظة السويداء، وهي محل سكنهم الأصيل والتاريخي".
وقال الدغيم إن "تيار الهجري"يقود بروباغندا إعلامية عن طريق اتهام الحكومة بأنها سلفية وتكفيرية وجهادية، ويعترض على كل خطوة إدماجية لمحافظة السويداء في الدولة السورية، مشيرا إلى أن الدولة تنظم خططها الحالية والمستقبلية لتأمين المنطقة، والاعتماد على التيار الوطني في محافظة السويداء وتقويته. لكنه يرى بأن العملية أشبه بـ "عملية جراحية دقيقة وفي بؤبوء العين، لأنها بين مدنيين"، لذلك تخشى الدولة من تكرار العمليات الأمنية والعسكرية والتي سيسقط فيها ضحايا وشهداء أبرياء. ولذلك فإن "المعول على التيار الوطني والأكاديمي، ونخب محافظة السويداء، أن يعودوا إلى رشدهم، ويرفعوا صوتهم بوجه التيار الكهنوتي الانفصالي الذي يقوده حكمت الهجري، ونأمل أن يخرج الشعب السوري من هذا التحدي منتصراً".
يقول عضو اللجنة العليا للانتخابات، إن ما قيل في السويداء يمكن قوله في قيادة قوات سوريا الديمقراطية التي تفرض حتى الآن واقعاً عسكرياً غير مندمج بالدولة السورية، بينما الدولة تراعي أن الشعب السوري اكتفى من الدماء والمعارك، وهي تنتظر مفاوضات إدماج قوات سوريا الديمقراطية في مؤسسات الدولة السورية وفق الإيمان بمبدأ وحدة وسلامة واستقلال أراضي الجمهورية العربية السورية.
ويلفت إلى العديد من المباحثات التي جرى بعضها محلياً وبعضها خارج سوريا. ومن ضمنها مباحثات حول انتخابات مجلس الشعب في المناطق التي تسيطر عليها "قسد"، وفي حال تقدم المباحثات والمفاوضات السياسية "نأمل أن تُجرى الانتخابات على الأراضي التي تسيطر عليها قسد، وإن لم ينجح الأمر فإن حصة أهلنا في الرقة، والحسكة، ودير الزور، في مجلس الشعب مكفولة ومصانة، وأيضاً في السويداء، إلى حين تيسر لحاقهم بالاستحقاق الانتخابي".
يرفض حسن الدغيم الاتهامات الموجهة للجنة تقصي الحقائق في مجازر الساحل السوري، بتسيس ملف التحقيق، مؤكداً أنها " لو أرادت تسيس الملف لسلقت أعمال اللجنة سلقاً، وكانت عبارة عن لجنة شكلية وانتهى عملها في بضعة أيام، وأصدرت نتائج لذر الرماد بالعيون"، لكن وفقاً للدغيم "ليس من مصلحة الدولة، ولا المرحلة الانتقالية، أن تسيّس الدولة ومن بداية عهدها أمراً خطيراً كهذا، فطمس الحقائق، وإنكار المسؤوليات، وعدم تحملها، كله يؤدي في النهاية إلى تفكك الدولة، وفقدان الثقة بينها وبين مواطنها، وهذا لا مصلحة فيه لأحد لا لدولة ولا لمواطنين".
ويشير الدغيم إلى أن "الدولة تريد أن تبني جسراً من الثقة بينها وبين مواطنيها، وبذلك تحقق قطيعة مع عهد النظام البائد، التي كانت تقتل الثقة بين الدولة والمواطن، وتتفنن بارتكاب الجرائم والانتهاكات والتعذيب والتنكيل، بينما تريد دولتنا السورية الجديدة أن تصنع هذه القطيعة مع النظام البائد".
وامتدح الدغيم أعضاء اللجنة "المستقلين" الذين بذلوا من الجهد لأكثر من 4 أشهر في جمع الوثائق، وتحليل البيانات، والتواصل مع الجمهور، وسماع شهاداتهم، وقد "وثّقوا من الشخصيات وأسماء الضحايا في تلك الأحداث من عسكريين و مدنيين أكثر مما وثقت المنظمات الحقوقية، وهذا دليل ورسالة على مهنية اللجنة، وحرص على كرامة الضحايا وسلامة الإجراءات القضائية" مضيفاً: "صحيح أنه لم تعلن أسماء المتورطين على الإعلام، فلا يُعلن هذا في مرحلة انتقالية، وإنما وضعت الأمر بيد رئيس الجمهورية الذي بدوره سيشير للجهات المختصة سواء وزارة العدل أو وزارة الداخلية بإنفاذ وتوصيات لجنة التقصي الحقائق"، بحسب قول الدغيم.
بالنسبة للتصريحات الأمريكية حول سوريا بعد جرائم السويداء، يعتقد حسن الدغيم أنه من المبكر الحكم على كل هذه التصريحات ودلالاتها ورسائلها، فبعضها يُقرأ وبعضها ينتظر،مضيفاً: "عوّدتنا الإدارة الأمريكية أو الإدارات الأمريكية المتعاقبة على حجم كبير من التصريحات، بعضها متداخل وغامض، وبعضها ظاهر، وبعضها متناقض.
يوضح: صرحت الإدارة الأمريكية عبر سنوات عديدة أنها ستسحب قواتها من الشرق الأوسط ولم تسحب القوات من الشرق الأوسط، وتكلمت بكلام كثير أن بشار الأسد يجب أن يرحل، منذ 2014، ولم يرحل إلا على أيدي الثوار العام 2024 .
بالتالي، يرى الدغيم أنه من المبكر الحكم على التصريحات الأمريكية، لكن نحن "نعول على الإيجابية، والحماس، والاندفاع الذي تبديه التصريحات الأمريكية، وتصريح مبعوثها الخاص لشؤون الشرق الأوسط، وقول الرئيس الأمريكي إننا نريد أن نعطي للسوريين فرصة، خاصة حين تزامن ذلك مع قرارات، ولو أنها لم تكتمل بعد، برفع العقوبات عن سوريا".
وختم حسن الدغيم حديثه لـ إرم نيوز" بالقول: "نأمل بدعم هذه الأجواء الإيجابية، وننتظر الاستفادة منها أيضاً، هذا ما نلاحظه من قبل الدول الصديقة التي بدأت تفكر بالاستثمار بسوريا، وليس آخرها المؤتمر الاستثماري السوري السعودي الذي رأيناه، مؤخراً، في دمشق، والذي أعطى رسالة قوية جداً أن سوريا بلد سيولد من جديد، وستتدفق إليه الاستثمارات، وستأتيه الخبرات، وسيتدارك شعبه مستقبله، ويتجاوز حقبة الماضي عن طريق تقرير وتعزيز السلم الأهلي، من خلال العدالة الانتقالية، ومؤسسات الدولة، وتمكينها، والحفاظ على وحدة البلاد، وسلامتها، وسيادتها".