وضعت الاحتجاجات الإسرائيلية المتصاعدة للمطالبة باتفاق جديد في قطاع غزة يضمن إعادة الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة حماس، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمام مأزق جديد قبل عملية مرتقبة لاجتياح غزة بالكامل، وهي القضية التي تثير خلافات واسعة في إسرائيل.
ورغم أن العنوان العريض للمظاهرات هو المطالبة بإعادة الرهائن، إلا أن الاحتجاجات تشير إلى رفض كامل من المعارضة وشرائح إسرائيلية لسلوك نتنياهو السياسي داخليا، والعسكري في قطاع غزة، وما يتعلق بالتداعيات المرتبطة بالحرب خاصة العزلة الدولية التي تواجهها إسرائيل.
ويرى الخبير في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور، أن الحراك في إسرائيل مؤشر على حالة الإحباط المتصاعدة من نتنياهو، مشيرًا إلى أنه من المبكر الحكم على نجاح الاحتجاجات وقدرتها على فرض واقع مختلف يخص قضية الحرب في غزة.
وقال منصور لـ"إرم نيوز": "هذا الحراك المتصاعد في الاحتجاجات تعبير عن خيبة أمل وإحباط من نتنياهو، واليأس من إمكانية أن يقدم نتنياهو من تلقاء نفسه على خطوة بشأن حرب غزة خاصة أنه محاط باليمين".
وأضاف "وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش يضغطون دائمًا باتجاه استمرار الحرب؛ لأن لديهم تطلعات بعيدة المدى تجاه غزة لها علاقة بالمشروع اليميني الاستيطان والتهجير".
وحول إمكانية أن تؤثر المظاهرات على مسار الحرب، قال منصور إنها "قد تؤثر إذا تصاعدت وشلت الاقتصاد واستمرت بشكل كبير"، لافتًا إلى أنه رغم الزخم الكبير الذي تشهده إلا أن الحكم على نتائجها لم يحسم حتى اللحظة.
وقال: "المختلف في هذه المظاهرات هو نزول الإسرائيليين للشوارع على امتداد طول وعرض إسرائيل، والدعوة لوقف الحياة الاقتصادية وشل الحركة، وهو ما سلط الضوء بشكل كبير على الحراك، وجعل كل إسرائيلي يشعر بهذا الإضراب".
ويرى المختص في الشأن الإسرائيلي أشرف عكة أن الحراك الذي خرج في إسرائيل هذه المرة مختلف، ويضم شرائح كبيرة، مشيرا إلى أنه مرتبط بعدم الثقة في جدوى أهداف الحرب في غزة التي يعلنها نتنياهو.
وقال لـ"إرم نيوز": "مشاركة الهستدروت والنقابات والاتحادات في إسرائيل تشكل قوة جدية حقيقية للحراك تضم كل أطياف المعارضة، وإن هناك قناعة راسخة لدى المجتمع الإسرائيلي أن هذا هو وقت التحرك؛ لأن كل كل ما قاله نتنياهو بشأن الحرب لم يتحقق".
وأضاف "الآراء متزايدة في إسرائيل بأن قرار اجتياح مدينة غزة بالكامل قد يمهد لنكسة عسكرية، وعدم تحقيق أي من أهداف الحرب، وكذلك أن نتنياهو يضحي بالأسرى في غزة من أجل مصالحه السياسية".
وتابع "هناك قناعة في إسرائيل بأن نتنياهو يدخل إسرائيل في عزلة دولية بسبب الحرب وبعد تصريحاته المثيرة حول إسرائيل الكبرى؛ ما يدفع الإسرائيليين للتظاهر ليس من أجل الرهائن فقط، ولكن من الخشية على مستقبل إسرائيل من سلوك نتنياهو".
وأشار إلى أن نتنياهو قد يتجاهل هذا الحراك ويمضي في خطته بشأن قطاع غزة، مضيفًا أن "مستقبل الحراك وتزايد وتيرته هو ما قد يدفع نتنياهو لإعادة حساباته".
ويرى المختص في الشأن الإسرائيلي حاتم أبو زايدة، أن ثلاثة عوامل ساعدت في إكساب هذا الحراك زخما مختلفا، مشددا على أن قضية الرهائن ليست وحدها التي تدفع الإسرائيليين للتظاهر ضد نتنياهو.
وقال لـ"إرم نيوز" إن "الإضراب وحالة العصيان يأتيان في سياق وجود مخطط عسكري لاجتياح مدينة غزة والمحافظة الوسطى لقطاع غزة؛ ما يعني فقدان المزيد من الإسرائيليين وربما فقدان الأسرى".
وأضاف "العامل الأول في دفع تأجيج هذا الحراك، هو المخاوف الإسرائيلية المتصاعدة من أن نتنياهو ذاهب في الحرب بغزة نحو التخلص من قضية الأسرى عبر عملية عسكرية شاملة وغير محسوبة النتائج".
وتابع "حالة الإنهاك في صفوف قوات الجيش الإسرائيلي الذي خسر منذ استئناف الحرب في مارس/آذار، نحو 50 جنديا وهو عدد مماثل لعدد الأسرى في غزة الأحياء والأموات، ما يشكك بجدوى التحرك العسكري".
وقال إن "العامل الثاني هو رفع الجيش الإسرائيلي لأعداد جنود الاحتياط الذين يحتاجهم للقيام بالعملية العسكرية في غزة؛ ما يزيد المخاوف بشأن فقدان المزيد من الجنود خلال الاجتياح الكامل للقطاع".
وأشار إلى أن العامل الثالث إصرار "الحريديم" على إصدار قانون يوقف قرار تجنيدهم في الوقت الذي يصوتون فيه عبر الحكومة لاستدعاء عشرات آلاف جنود الاحتياط من فئات أخرى زاد من حالة الغضب تجاههم.
وذكر أن "مواقف الحريديم خاصة من قضية التجنيد أدت لحالة استقطاب بين الأوساط العلمانية في إسرائيل الذين ينظرون للحريديم على أنهم عبء مالي، وهو ما جعل الحراك في إسرائيل انتفاضة في وجههم وليس بشأن قضية الرهائن فقط".
وتابع "إذا كان هناك تأثير للمظاهرات على مصالح إسرائيل ومصالح نتنياهو الخاصة، بالتأكيد سيكون لها تأثير على موقف نتنياهو، إلا أن حراك اليوم وحدة غير كافٍ لخلق وتيرة الضغط هذه".