أثار ترشيح اسم سمير حليلة لحكم القطاع، جدلا وتفاعلا واسعين في الشارع الفلسطيني وخصوصا بين الغزيين، وسط آمال واسعة بإنهاء معاناتهم الدامية ووقف آلة القتل الإسرائيلية بأي طريقة وبأسرع وقت.
وكان رجل الأعمال الفلسطيني، سمير حليلة، المرشح لحكم قطاع غزة، قد كشف في تصريحات خاصة أدلى بها لـ"إرم نيوز"، أن مسألة اختياره للمنصب ستحسم في غضون 3 أسابيع وفق 3 شروط حددها، على أن يتم الإعلان عن وقف إطلاق نار نهائي وشامل قبل ذلك.
حول ذلك، أوضحت الكاتبة والمحللة السياسية الفلسطينية من غزة، الدكتورة رهام عودة، أن معظم المواطنين في الشارع يكترثون أكثر لعملية إنهاء الحرب الوحشية على القطاع بأي ثمن، فما يهم بالنسبة لهم هو إنهاء الحرب والبدء بإعادة الإعمار.
وأضافت في حديثها لـ"إرم نيوز"، تعليقا عن ترشيح سمير حليلة لحكم غزة، أنه طالما الشخص الذي سيحكم القطاع هو مواطن فلسطيني ويحرص على دعم الغزيين وإنهاء مأساتهم فيمكنهم تقبل هذا الأمر.
وأردفت "لكن ذلك لا يمنع وجود بعض المعارضة على شخصية مثل حليلة لتولي الحكم في غزة من قبل بعض أعضاء المجتمع المدني الذين يرون أن القطاع لديه نخبة من ذوي الخبرات المهنية والسياسية العالية والتي يمكن أن يتم اختيار أحد أفرادها لحكم القطاع أو بكل بساطة أن يتم اعتماد الأسماء لـ 15 من التكنوقراط التي رشحتها مصر ضمن لجنة الإسناد المجتمعي لإدارة حكم القطاع بعد الحرب".
وبينت عودة "أن الإعلان عن اختيار سمير حليلة لم يتم من أي جهة رسمية سواء على المستوى الوطني أو العربي أو الدولي، وأن الإعلان تم بمبادرة شخصية من السيد حليلة بعد نشر تقارير إعلامية إسرائيلية حول ترشح اسمه ليكون حاكم غزة".
وقالت "يمكن قراءة الإعلان عن اختيار سمير حليلة من ناحيتين، أولا من ناحية التسريبات الإعلامية الإسرائيلية حول هذا الترشح والذي يمكن اعتباره بالون اختبار إسرائيليا لجس نبض الشارع الفلسطيني والقوى السياسية الفاعلة في الساحة الفلسطينية مثل السلطة الفلسطينية وحركة حماس وباقي الفصائل الفلسطينية، وذلك حول مدى قبول الفلسطينيين فكرة وجود حاكم فلسطيني مستقل لا يتبع لأي فصيل، لكي يدير قطاع غزة في اليوم التالي للحرب على غزة".
وأشارت إلى أنه "يمكن قراءة خبر الترشح هذا من ناحية أخرى وهي رغبة واستعداد شخصي من قبل حليلة لترشيح نفسه بناء على اتصال غير مباشر بينه وبين الإدارة الأمريكية عبر وسيط ثالث لا يملك أي منصب رسمي، من ثم أراد حليلة أن يغتنم الفرصة حول نشر خبر ترشحه لكي يقدم نفسه للشعب الفلسطيني كبديل لحركة حماس في القطاع وكحاكم مدني مستقل يريد أن يشارك في عملية إنهاء الحرب وكجزء من الحل النهائي لقضية الصراع".
ولفتت عودة إلى أن "جرأة حليلة في الإعلان عن ترشحه لهذا المنصب دون الحصول على موافقة فلسطينية وفي ظل استمرار حالة الانقسام الفلسطيني وفي ظل معارضة نتنياهو حكم قطاع غزة من قبل حماس أو السلطة الفلسطينية أثار الجدل وأغضب السلطة الفلسطينية التي تسعى إلى توحيد النظام السياسي الفلسطيني بين الضفة الغربية وقطاع غزة حتى يتم تسهيل عملية الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية المستقلة".
وحول من وصف اختيار سمير حليلة بـ"البارشوت السياسي"، أكدت الخبيرة السياسية أنها لا تؤيد هذا الوصف، "لأنه حسب مبادئ الديمقراطية، أي مواطن فلسطيني يرى نفسه مؤهلا للحكم ويمتلك المؤهلات العلمية والمهنية يمكن أن يطرح نفسه للترشح لأي منصب سياسي، ولكن يجب على هذا المواطن أن لا يفرض نفسه على شعبه، وأن لا يستقوي بأي دعم من أي قوة خارجية"، وفق قولها.
وأردفت "لذا يمكن وصف محاولة ترشح حليلة لهذا المنصب بأنها مبادرة فردية جريئة جاءت من دون تنسيق مع السلطة الفلسطينية والفصائل والوسطاء العرب، وطالما أكد حليلة عدة مرات أنه لن يقبل هذا المنصب إلا بعد موافقة السلطة الوطنية وأنه لن يعمل فيه إلا عندما يكون جزءا من الشرعية الفلسطينية فلا يوجد داع لاتهامه بأنه براشوت سياسي".
وأضافت "يمكن وصفه بأنه شخص مبادر ولديه طموح سياسي، ولكنه غير مدعوم سياسيا على المستوى السياسي الفلسطيني، وربما تسرع بالإعلان عن نفسه قبل الحصول على توافق فلسطيني داخلي وتوافق عربي حول اسمه للترشح رسميا لهذا المنصب؛ ما عرضه للانتقاد من النخبة السياسية الفلسطينية".
وحول مدى انسجام اسم حليلة مع جهود الدول العربية لتأهيل السلطة الفلسطينية وحشد الاعتراف بالدولة، أكدت الخبيرة السياسية رهام عودة، أن "فكرة تنصيب حاكم لغزة بمعزل عن السلطة الفلسطينية ودون التنسيق معها قد يعطي المجال لتأسيس كيان سياسي جديد في قطاع غزة يشبه وضع الإدارة الذاتية مثلما الحال في شمال وشرق سوريا".
وبينت أن هذا "قد يؤخر بالطبع عملية الاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ لأنه عندئذ قد يتم اعتبار قطاع غزة دويلة مستقلة عن الدولة الفلسطينية الموحدة على حدود 67 التي تحاول السلطة الفلسطينية تأسيسها والحصول على اعتراف دولي بها".
واستطردت عودة "لكن في حال تم تعيين هذا المنصب لحاكم غزة تحت إطار السلطة الفلسطينية وتم اعتباره كمنصب وزير في السلطة الفلسطينية وضمن الهيكلية الرسمية للسلطة الفلسطينية، ذلك لفترة مؤقتة حتى يتم ضمان انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع وضمان استقرار الوضع الأمني في القطاع يمكن القول حينذاك أن منصب حاكم غزة ضمن هيكيلة السلطة الوطنية لن يؤثر على جهود السلطة في الحصول على الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية على حدود 1967".
وحول موقف حماس من القضية، أبانت عودة أن الحركة وافقت على الخطة المصرية التي تتضمن تشكيل لجنة إسناد مجتمعي مكونة من 15 شخصية غزية تكنوقراطية، وفي حال تم طرح اسم حليلة من قبل المصريين لرئاسة مثلا هذه اللجنة، أوضحت قائلة "لا أتوقع أن تعارض على شخص حليلة ولكن القضية أنه قبل الاتفاق حول اليوم التالي للحرب على غزة يجب أن يتم الاتفاق على كيفية إنهاء الحرب عبر صفقة شاملة وبعدها لكل حادث حديث؛ لأنه لا جدوى من كثرة الحديث عن اليوم التالي وآلية الحكم، دون وقف الحرب الوحشية المدمرة في قطاع غزة وحقن دماء الغزيين بأسرع وقت ممكن".
وأشارت الأكاديمية من قطاع غزة، أنه لم يصدر أي إعلان عربي أو دولي رسمي حتى الآن يؤيد ترشح حليلة، بل ورد الرد عربيا على هذا الترشح من قبل وزير الخارجية المصري الذي صرح رسميا حول الخطة المصرية بتشكيل لجنة من 15 شخصية غزية تنكوقراطية لإدارة حكم غزة بعد الحرب، مبينة أنه يمكن اعتبار هذا الرد المصري نفيا لعملية ترشح حليلة لهذا المنصب، وفق قولها.
أما على المستوي الدولي وخاصة الإدارة الأمريكية، فقد لفتت إلى عدم وجود أي تعليق رسمي على ترشيح حليلة، وأضافت "لذا أستبعد أن يكون هناك اتفاق عربي أو دولي حول حليلة، وكل ما في الأمر أنه ربما جرى اتصال غير رسمي بين حليلة والإدارة الأمريكية لتقصي الأمر ودراسة سيناريوهات مستقبلية لحكم قطاع غزة دون اتخاذ قرار رسمي أمريكي بتولي حليلة لهذا المنصب وإنما الأمر يمكن اعتباره بالون اختبار وتبادل أفكار حول اليوم التالي للحرب على غزة.
وأردفت أن "البديل المطروح حاليا وعلى المستوى العربي هو تشكيل لجنة إسناد مجتمعي من 15 شخصية غزية تكنوقراطية تدير حكم القطاع بالتعاون مع قوات عربية ودولية، لفترة مؤقتة لحين استلام السلطة الفلسطينية القطاع بشكل كامل، وهذا يعتبر بديلا عمليا وقابلا للتطبيق، ومقبولا فلسطينيا وعربيا، ولكن يمكن تطبيقه في حال لم تعارض عليه إسرائيل وفي حال قبول إسرائيل الانسحاب الكامل من القطاع".
أما في حال رفض إسرائيل هذا الطرح العربي فهناك احتمال أن يتم إدارة قطاع غزة من قبل ائتلاف دولي – أمريكي بالتعاون مع لجنة محلية في قطاع غزة مع استمرار التواجد الأمني الإسرائيلي في القطاع، وفق قراءتها.
وشدد حليلة في تصريحاته السابقة لـ"إرم نيوز" على أن قبوله للمنصب لن يتم إلا بموافقة جميع الأطراف المعنية، على رأسها السلطة الفلسطينية، إضافة إلى جملة أخرى من الشروط.
وبين في أول لقاء له على موقع عربي منذ بدء تداول اسمه كمرشح لحكم غزة، أن قبوله للعرض مرهون بعدة أمور، أهمها؛ إعادة إعمار غزة ووقف الإبادة الجماعية التي تتطلب جهودا مشتركة واتفاقا، ليس مع حماس وإسرائيل فحسب، بل مع دول ممولة راعية لإعادة الإعمار، وفق قوله.
وأضاف "سيتضمن الاتفاق إشرافا وتدخلا مصريا واسعا، أكثر من باقي الدول باعتبارها الدولة المجاورة لقطاع غزة، ولن يتم دون موافقة السلطة الفلسطينية باعتبارها صاحبة الإطار التشريعي والقانوني والسياسي المتعلق بغزة".
وعلق حليلة خلال حديثه لـ"إرم نيوز" على وصفه من قبل بعض المراقبين بـ"الباراشوت السياسي" بعد أن خرج اسمه دون سابق إنذار أو توافق داخلي، قائلا "أنا ابن البلد وابن السلطة والقطاع الخاص الذي عملت به مدة 11 عاما، ولا يوجد باراشوت بالموضوع أبدا، وهناك أصلا (فيتو) إسرائيلي على أي شخص يحكم غزة، من المنظومة السياسية القائمة المتمثلة بالسلطة وحماس".
ولكن أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة بغزة، حسام الدجني قال، إن حليلة جاء ترشيحه مثل مظلات البارشوت التي تحمل مساعدات وتلقى على الغزيين من دون تخطيط أو استإذان من أحد، مبيناً أن "هذا الرجل جاء دون توافق سياسي، ودون تهميد لهذه الخطوة، ودون موافقة سكان القطاع ونخبته، حيث كان من الأولى إجراء نقاش حول الشخصية التي يجب أن تحكم غزة، والأصل أن يكون من القطاع وعاش الحرب فيها، كونه سيدرك كل تفاصيل القطاع ومعانات سكانه".
وأشار الدجني في حديث لـ"إرم نيوز"، إلى أن حليلة لديه خبرة وامتيازات ولا أحد يشكك به لكن أن يأتي بطريقة مفاجئة ومباغتة، يدفعنا لأن نقول إن اختياره كان يجب أن يكون ضمن توافق وطني، وليس توافقا من السلطة فحسب، وفق قوله.
وأكد الأكاديمي من غزة، أن الرجل بحاجة دعم الجميع كي ينجح في مهمته الصعبة، التي عنوانها قطاع غزة وإعمارها.
أما حول توقيت الترشيح، فلفت الدجني إلى أن التخطيط حول ترشيحه كان بدء العام الماضي، مشيرا إلى أن "سمير حليلة التقى برئيس السلطة الفلسطينية بغزة في أكتوبر 2024، بعد أن زار واشنطن وعرض عليه هذا المشروع الذي ذهب به إلى أبو مازن".
وأضاف الدجني "محمود عباس استشاط غضبا حينها، واعتبر أن كل هذه الجهود جاءت دون علم السلطة الفلسطينية، وطلب منه عدم التحرك بهذا المسار دون إذن السلطة، ولذلك صدرت عنها تلك البيانات المنددة"، على حد قوله.
إلى ذلك، علق الباحث السياسي في مركز الحبتور للدراسات مصطفى أحمد قائلا إن "توصيف اختيار سمير حليلة بـ(البارشوت السياسي) وارد من قبل البعض كونه فرض ربما خيارا خارجيا على حساب الإجماع الفلسطيني الداخلي".
ولفت أحمد النظر في حديث أدلى به لـ"إرم نيوز"، إلى أن "السلطة الفلسطينية لم تعترف بهذا الاختيار وطالبت بوقف طرح هذه الفكرة، معتبرة إدارة غزة من اختصاصها حصراً، ما يؤكد غياب توافق داخلي حقيقي ودعم كامل لهذا التعيين"، وفق قوله.
وأشار إلى أن " توقيت الإعلان عن اختيار سمير حليلة جاء في سياق اتصالات إقليمية ودولية بدأت منذ نصف عام على الأقل، مع تبادل أدوار بين القاهرة وواشنطن وأطراف عربية ودولية، في محاولة لإيجاد إدارة مؤقتة وتقنية لقطاع غزة بعد انتهاء الحرب".
أما على صعيد توافق الاسم مع جهود الدول العربية لتأهيل السلطة الفلسطينية، فأكد الباحث السياسي أن "اختيار حليلة لا ينسجم تماما مع هذه الجهود؛ لأن هناك رفضاً فلسطينياً داخلياً، رغم أن فكرة الإدارة ستكون بإشراف من لجنة الجامعة العربية السداسية، وربما مصر الدولة المجاورة ستلعب دورا إشرافيا واسعا"، وفق قراءته.
وأضاف أحمد "هذا يعكس تعقيدات بالغة في التنسيق العربي والدولي حول الإدارة المقترحة للقطاع، خصوصا أن السلطة الفلسطينية تمثل محوراً أساسياً في هذه الجهود".
فيما يخص وجود بديل لحليلة، أوضح الباحث السياسي أنه "لا توجد مؤشرات واضحة على وجود بديل متفق عليه، بل يبدو أن هذا الاسم كان محل محاولات تفاوض طويلة بين عدة أطراف إقليمية ودولية منذ 2024، ومن الواضح أن هناك توافقاً ما على اختياره من بعض الأطراف الإقليمية والدولية، لكن دون توافق فلسطيني داخلي، وهو ما يعني أن البديل إذا وُجد فهو ليس متفقاً عليه بشكل كامل ولا مكشوفاً بعد".
وأكد الباحث مصطفى أحمد أن تصريحات سمير حليلة التي أدلى بها لـ"إرم نيوز"، حول الإشراف المصري الواسع والمرتقب على الإدارة الجديدة لقطاع غزة، "تعكس أهمية مصر باعتبارها دولة مجاورة للقطاع ولها القدرة على تقديم دعم لوجستي وأمني في هذه المرحلة، وهو ما يمكن اعتباره محاولة لتوفير إطار إشرافي إقليمي".
لكنه استدرك قائلا "إن نجاح الخطة يتطلب توافق الفلسطينيين أنفسهم، وكذلك دعم دولي وإقليمي شامل".