تتفاوت وجهات نظر متابعي الملف السوري بشأن التوجه الرسمي لدى قيادة النظام الجديد لتمديد المرحلة الانتقالية إلى أربع سنوات.
ويرى البعض في هذه الخطوة حصافة جريئة للاستفادة من تجارب مماثلة حصلت في العراق وليبيا وتونس ومصر واليمن، فيما يذهب البعض الآخر إلى وصف هذا التوجه بأنه إشارة واضحة إلى نزعة الاستئثار بالسلطة من طرف جبهة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع.
وكانت الإدارة الجديدة في سوريا أعلنت بعد يومين على سقوط نظام الأسد، تكليف رئيس حكومة الإنقاذ في مناطق سيطرة المعارضة سابقًا، محمد البشير، بتشكيل حكومة مؤقتة لإدارة البلاد في مرحلة انتقالية تمتد حتى الأول من آذار/ مارس 2025.
والتزم الشرع، قائد النظام الجديد، بأن يجري التوافق الوطني على قواعد إشراك الجميع في مشاورات تشكيل الحكومة الانتقالية لبناء "دولة الشرعية والعدالة والمساواة والقانون".
وفي تطور جديد تحدث الشرع عن فترة انتقالية قد تستغرق أربع سنوات لترتفع أصوات ترى في هذه المدة تطويلًا زمنيًا يشي بنزعات الاستئثار التي تؤجج هواجس أطراف عديدة داخلية وخارجية.
الباحث في الشؤون السياسية، الدكتور صفوان القدسي رأى في تقديرات الأربع سنوات للفترة الانتقالية طمأنة حقيقية للأطراف الدولية التي ترصد الشواهد التي تؤهل سوريا الجديدة للشرعية الأممية، ومثلها طمأنة وثيقة للأطراف الإقليمية، وقبلها للطيف المحلي.
وقال لـ"إرم نيوز" إن في هذه المهلة للفترة الانتقالية جملة من الرسائل أهمها أن النظام الجديد في سوريا استفاد تمامًا من أخطاء ما جرى في ظروف تغييرات مسلحة حصلت في العراق وليبيا وغيرهما من البلدان التي ما زالت تدفع ثمن التسرع والعشوائية.
وأضف القدسي أن سوريا دولة متعددة التوجهات ومتنوعة الجماعات والانتماءات الدينية والإثنية، وهو الواقع الذي يتوجب الانطلاق منه والبناء عليه في بلورة الهوية السورية وتجلّيات المواطنة.
وأشار إلى أن فترة الأربع سنوات التي تحدث عنها الشرع، تبدو واقعية ومنطقية وجدّية في تقييم الجهد المطلوب، ليأتي ذلك وثيقًا في جدية بناء دولة جديدة محصنة تجاه المزالق التي أطاحت بدول وأنظمة عديدة خاضت تجارب مماثلة.
ومن طرفه لا يتردد أستاذ الدراسات المتوسطية، الدكتور حسين مفلح الجمعان، في توصيف مهلة الأربع سنوات للفترة الانتقالية في حكم سوريا بأنها طويلة إلى حدّ الريبة واستنفار الهواجس باستئثار السلطة.
ويرى الدكتور الجمعان أن خطر الفوضى والاحتراب الداخلي الذي كان يخشاه الكثيرون ويراهن عليه البعض، تبين الآن أنه كان قصورًا في الرؤية الموضوعية.
وأوضح: أظهرت معظم أقاليم سوريا ترحيبًا متفاوت الحرارة بالتغيير، لم يزعزعه فوضى وانفلات واشتباكات وعمليات ثأر وتخريب، سرعان ما طوقها النظام الجديد، ما يعني أن القبول الدولي والإقليمي للتغيير في سوريا كان جديًا وفاعلًا.
ولفت إلى أن ذلك ترافق مع سيل لم ينقطع من التطمينات والوعود التي صدرت من قيادة النظام الجديد، مرفقة بإشارات فيها الكثير من الرؤية الواضحة المعززة بالبراغماتية التي تعتبر من سمات العقل السوري المتوارث، حسب وصفه.
وخلص الأكاديمي الجمعان إلى أن كل تلك الإشارات كانت حريّة بأن تتوج بتقليص الفترة الانتقالية بحيث تكون الطمأنة حقيقية ومستدامة.
وفي مقابل هذه القراءة التي تنتقد إطالة عمر الفترة الانتقالية وتحذّر من عواقبها في بلد كسوريا، فإن الدكتور صفوان القدسي يراها خلاصة دروس مستفادة من أخطاء الآخرين، وأن السوريين يقرؤونها بذات التفهم الذي حظي به قرار استدعاء الجيش إلى قواعده للخدمة وتغيير قيادته، وعدم تكرار خطأ حل الجيش الذي وقعت في العراق وليبيا.
وفي المقابل يستذكر الجمعان أن قائد الحكم الجديد في سوريا كان واضحًا وبمنطق متماسك، عندما برّر استئثاره بالحكم في المرحلة الانتقالية عبر تشكيل حكومة تابعة له بشكل مباشر، إذ قال الشرع إن الكلام عن تعيينات اللون الواحد صحيح؛ لأن المرحلة تحتاج إلى انسجام، وهو ما اقتضى أن تأخذ التعيينات شكلها الذي استوجبته ضرورات المرحلة دون أي نزعة استقصائية لأحد.