قالت صحيفة "نيويورك تايمز"، إن إسرائيل طوّرت أدوات ذكاء اصطناعي جديدة لتحقيق أفضلية في الحرب المستمرة على قطاع غزة، ورغم النجاح الذي حققته في العديد من العمليات، إلا أن هذه التقنيات كان لها أحيانًا عواقب وخيمة.
وخلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، جمعت إسرائيل بين الذكاء الاصطناعي وبرامج التعرف على الوجوه لمطابقة الوجوه المحجوبة جزئيًا أو المصابة بالهويات الحقيقية، ولجأت إلى الذكاء الاصطناعي لتجميع أهداف الغارات الجوية المحتملة.
كما أنشأت نموذج ذكاء اصطناعي باللغة العربية لتشغيل روبوت محادثة يمكنه مسح وتحليل الرسائل النصية ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من البيانات باللغة العربية، وفقًا لشخصين مطلعين على البرامج.
وقال ثلاثة أشخاص مطلعون على التقنيات إن العديد من هذه الجهود كانت شراكة بين جنود مجندين في الوحدة 8200 وجنود احتياط يعملون في شركات تقنية مثل غوغل ومايكروسوفت وميتا.
وأضافوا أن الوحدة 8200 أنشأت ما أصبح يُعرف باسم "الاستوديو"، وهو مركز ابتكار ومكان لربط الخبراء بمشاريع الذكاء الاصطناعي.
ومع ذلك، حتى مع تسابق إسرائيل لتطوير ترسانة الذكاء الاصطناعي، أدى نشر هذه التقنيات أحيانًا إلى أخطاء في تحديد الهوية واعتقالات، إضافة إلى وفيات مدنية، وفقًا لمسؤولين إسرائيليين وأمريكيين.
كما واجه بعض المسؤولين صعوبة في فهم الآثار الأخلاقية لأدوات الذكاء الاصطناعي، والتي قد تؤدي إلى زيادة المراقبة وحوادث قتل مدنيين أخرى.
وقال مسؤولون دفاعيون أوروبيون وأمريكيون إنه لم تكن أي دولة أخرى نشطة مثل إسرائيل في تجربة أدوات الذكاء الاصطناعي في المعارك الآنية؛ ما يُعطي لمحة عن كيفية استخدام هذه التقنيات في حروب المستقبل، وكيف قد تفشل أيضًا.
وأشارت هاداس لوربر، رئيسة معهد الأبحاث التطبيقية في الذكاء الاصطناعي المسؤول في معهد حولون للتكنولوجيا الإسرائيلي، إلى أن الحاجة المُلحة للتعامل مع الحرب أدت إلى تسريع الابتكار، ومعظمه مدعوم بالذكاء الاصطناعي.
وأضافت "لقد أدى ذلك إلى تقنيات غيرت قواعد اللعبة في ساحة المعركة ومزايا أثبتت أهميتها في القتال".
لكن لوربر رأت أن هذه التقنيات "تثير أيضًا تساؤلات أخلاقية خطيرة"، محذّرة من أن الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى ضوابط وتوازنات، خصوصًا أن البشر هم من يتخذ القرارات النهائية.
وسبق أن استخدمت إسرائيل الصراعات في غزة ولبنان لتجربة وتطوير أدوات تقنية لجيشها، مثل الطائرات المسيرة، وأدوات اختراق الهواتف، ونظام القبة الحديدية الدفاعي، الذي يمكنه اعتراض الصواريخ الباليستية قصيرة المدى.
دور جنود الاحتياط
بعد هجوم 7 أكتوبر، سمحت إسرائيل بنشر تقنيات الذكاء الاصطناعي، وفقًا لأربعة مسؤولين أكدوا أن ذلك أدى إلى تعاون بين الوحدة 8200 وجنود الاحتياط في "الاستوديو" لتطوير قدرات ذكاء اصطناعي جديدة بسرعة.
وقال آفي حسون، الرئيس التنفيذي لمؤسسة ستارت أب نيشن سنترال، وهي منظمة إسرائيلية غير ربحية تربط المستثمرين بالشركات، إن جنود الاحتياط من ميتا وغوغل ومايكروسوفت أصبحوا عناصر أساسية في دفع عجلة الابتكار في مجال الطائرات المسيرة وتكامل البيانات.
قال: "لقد جلب جنود الاحتياط الخبرة والإمكانات إلى تقنيات رئيسة لم تكن متاحة في الجيش".
سرعان ما استخدم الجيش الإسرائيلي الذكاء الاصطناعي لتعزيز أسطول طائراته المسيرة.
وأوضح أفيف شابيرا، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة XTEND، وهي شركة برمجيات وطائرات مسيّرة تعمل مع الجيش الإسرائيلي، بأنه تم استخدام خوارزميات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لبناء طائرات مسيّرة لتحديد الأهداف وتتبعها عن بُعد.
وزعم شابيرا أن عملاءه الرئيسيين، الجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع الأمريكية، يدركون الآثار الأخلاقية للذكاء الاصطناعي في الحروب، وناقشوا الاستخدام المسؤول لهذه التقنية.
"ذا ستوديو"
وإحدى الأدوات التي طورها "ذا ستوديو" كانت نموذج ذكاء اصطناعي باللغة العربية يُعرف باسم نموذج اللغة الكبير، وفقًا لثلاثة مسؤولين إسرائيليين مطلعين على البرنامج.
واجه المطورون صعوبة في إنشاء مثل هذا النموذج نظرًا لقلة البيانات باللغة العربية اللازمة لتدريب التقنية. وعندما توافرت هذه البيانات، كانت في الغالب باللغة العربية الفصحى المكتوبة، وهي لغة أكثر رسمية من عشرات اللهجات المستخدمة في اللغة العربية المنطوقة.
قال الضباط الثلاثة إن الجيش الإسرائيلي لم يواجه هذه المشكلة. فقد سجّلت البلاد عقودًا من الرسائل النصية المُعترضة، والمكالمات الهاتفية المُنسوخة، والمنشورات المُستخلصة من مواقع التواصل الاجتماعي باللهجات العربية المنطوقة.
لذلك، أنشأ الضباط الإسرائيليون نموذجًا لغويًا واسع النطاق في الأشهر القليلة الأولى من الحرب، وبنوا روبوت دردشة لإجراء استعلامات باللغة العربية. ودمجوا الأداة مع قواعد بيانات الوسائط المتعددة؛ ما سمح للمحللين بإجراء عمليات بحث مُعقدة عبر الصور ومقاطع الفيديو، وفقًا لأربعة مسؤولين إسرائيليين.
وعندما اغتالت إسرائيل زعيم حزب الله، حسن نصر الله، في سبتمبر/أيلول، حلل روبوت المحادثة ردود الفعل في جميع أنحاء العالم العربي، وفقًا لثلاثة ضباط إسرائيليين. وميّزت هذه التقنية بين اللهجات المختلفة في لبنان لقياس ردود الفعل الشعبية؛ ما ساعد إسرائيل على تقييم ما إذا كان هناك ضغط شعبي لشنّ هجوم مضاد.
وبعد هجمات 7 أكتوبر، بدأت إسرائيل بتجهيز كاميرات عند نقاط التفتيش المؤقتة التي أقيمت بين شمال قطاع غزة وجنوبه، قادرة على مسح صور الفلسطينيين وإرسالها بدقة عالية إلى برنامج للتعرف على الوجوه مدعوم بالذكاء الاصطناعي.
وواجه هذا النظام أيضًا صعوبة في تحديد هوية الأشخاص الذين حُجبت وجوههم. وأفاد ضابطان في المخابرات الإسرائيلية أن ذلك أدى إلى اعتقال واستجواب فلسطينيين تم تحديد هويتهم عن طريق الخطأ بواسطة نظام التعرف على الوجوه.