الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
يرى خبراء ومحللون أن انسحاب القوات الأمريكية من العراق لا يقتصر على إعادة تموضع عسكري، بل يمثل تحولًا استراتيجيًا عميقًا في معادلة الأمن الداخلي، ما قد يفتح الباب أمام صراع نفوذ جديد بين الميليشيات المسلحة، في وقت تتزايد الضغوط الدولية لتقييد الجماعات التي تُتهم بتهديد المصالح الغربية والإقليمية.
ويأتي هذا التطور بعد إعلان التحالف الدولي إنهاء مهامه رسميًا، وانتقال عدد من القوات الأمريكية إلى قاعدة حرير في إقليم كردستان، مع بقاء مستشارين محدودين في بغداد والأنبار؛ لتقديم الدعم الفني والاستخباري.
لكن هذا الانسحاب، بحسب مراقبين، قد يخلق فراغًا أمنيًا في بعض المناطق الحساسة، ولا سيما تلك التي تشهد نشاطًا متقطعًا لتنظيم داعش أو انتشارًا لميليشيات متنافسة الولاءات.
ويشير مراقبون إلى أن انسحاب القوات الأمريكية يأتي في توقيت بالغ الحساسية، إذ لا تزال الخلافات قائمة بين الحكومة والميليشيات المسلحة حول مستقبل الوجود الأجنبي، فيما تتهم واشنطن بعض تلك الفصائل بالوقوف وراء هجمات طالت قواعدها ومصالحها داخل العراق وسوريا، وهو ما دفعها مؤخرًا إلى إدراج عدد من قادتها وكياناتها ضمن لائحة الإرهاب.
إعادة رسم القوى
ويرى الباحث في الشأن السياسي حسين الطائي أن "انسحاب التحالف الدولي سيترك فراغًا أمنيًا في بعض المناطق التي لا تزال هشة أمنيًا، ما قد يدفع بعض الفصائل إلى استغلاله لتوسيع نفوذها أو ملء الفراغ الأمني".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "بعض الفصائل الموالية لإيران ستعتبر الانسحاب انتصارًا سياسيًا ورمزيًا لها، وقد تسعى إلى ترسيخ حضورها داخل مؤسسات الدولة أو الشارع السياسي، مستفيدة من شبكات تمويل وتسليح منظمة"، مبينًا أن هذه القوى تمتلك اليوم قدرة على الجمع بين السلاح والسياسة، ما يجعلها في موقع متقدم على حساب الدولة في بعض المناطق.
وأشار الباحث إلى أن وجود القوات الأمريكية "كان يشكل عامل توازن وردع بين الفصائل المختلفة وبينها وبين الدولة، ومع الانسحاب قد نرى فراغًا استخباريًا وتقنيًا يصعب على القوات المحلية تعويضه سريعًا"، لكنه اعتبر في الوقت ذاته أن "المرحلة المقبلة تمثل فرصة حقيقية للدولة العراقية لتأكيد سيادتها إذا أحسنت إدارة الملف الأمني واستثمرت في قدراتها الوطنية".
وتذهب تقديرات أمنية إلى أن العراق في طور الدخول بمرحلة معقدة بعد انسحاب القوات الأمريكية، فبينما تستعد الحكومة لتسلم كامل الملف الأمني، تستعد الميليشيات لإعادة صياغة أدوارها ومواقعها.
ويرى مختصون أن مستقبل المشهد يتوقف على مدى قدرة المؤسسات الرسمية على منع هذه الميليشيات من استغلال اللحظة السياسية، خصوصًا أن بعضها بدأ يعيد انتشار عناصره قرب الحدود العراقية السورية.
وتضغط الميليشيات المسلحة منذ سنوات على الحكومة العراقية لإنهاء وجود القوات الأجنبية، تماشيًا مع الرؤية الإيرانية في المنطقة، فيما تتباين رؤى المكونات السياسية الأخرى حيال هذا الملف؛ إذ يرى بعض الأطراف أن الوجود الأمريكي ما زال ضروريًا لتوازن القوى ولمنع عودة تنظيم داعش، في حين تخشى قوى مدنية وليبرالية من أن يؤدي الانسحاب الكامل إلى إطلاق يد الميليشيات وتعاظم نفوذها داخل مؤسسات الدولة.
اختبار الميليشيات
بدوره، قال الباحث في الشأن الأمني رياض الجبوري إن "انسحاب القوات الأمريكية سيضع الميليشيات العراقية أمام اختبار كبير، وهو الانصهار في المجال السياسي العام، وإلقاء السلاح لانتفاء دواعي وجوده".
وأوضح الجبوري، في حديث لـ"إرم نيوز"، أن "الفصائل التي كانت تبرر وجودها بمواجهة الاحتلال الأجنبي ستجد نفسها اليوم بلا ذريعة مباشرة، ما يعني أن استمرار نشاطها المسلح سيُفسر كتهديد داخلي وليس كعمل مقاوم، وهو ما قد يفتح الباب أمام تصعيد سياسي وربما قانوني ضدها".
وأضاف أن "الولايات المتحدة والدول الغربية تراقب المشهد من كثب، وقد تلجأ إلى خطوات أكثر تشددًا مثل توسيع قوائم العقوبات لتشمل شخصيات وكيانات جديدة، خصوصًا بعد السابع من أكتوبر حيث تعرضت مصالحها في العراق وسوريا إلى هجمات متعددة".