تتسارع التطورات السياسية في العراق مع تفاقم الانقسام داخل القوى المكلفة بتشكيل الحكومة الجديدة، وسط مؤشرات متزايدة على دخول البلاد مرحلة تتداخل فيها ملفات الأمن، والطاقة، والتحالفات الداخلية والخارجية.
ويأتي هذا التعقيد في وقت لا تزال فيه أصداء الهجوم الأخير على حقل كورمور الغازي حاضرة في المشهد، بعد إعلان اللجنة التحقيقية نتائجها دون الكشف عن الجهة التي نفذت الاستهداف، وهو ما أبقى الباب مفتوحاً أمام قراءات سياسية متباينة حول دوافعه وتوقيته.
وتؤكد مصادر سياسية أن الإطار التنسيقي يواجه واحدة من أعقد مراحل التفاوض منذ تأسيسه، بعد تجاوز عدد المرشحين المحتملين لرئاسة الوزراء أكثر من 40 اسماً، مع صعوبة الوصول إلى توافق نهائي.
وتربط هذه المصادر بين الانقسام الداخلي والضغوط الإقليمية والدولية، فضلاً عن غياب الغطاء الذي كان يوفره التيار الصدري في دورات سابقة، ما جعل عملية حسم المرشح تمر بظروف غير مستقرة.
وفي ذلك السياق، تشهد بغداد حراكاً دبلوماسياً مكثفاً، مع زيارات أمريكية متتابعة حملت رسائل مرتبطة بملف الميليشيات المسلحة، وشروط التعاون الأمني والاقتصادي، إضافة إلى رغبة واشنطن في رسم ملامح العلاقة مع الحكومة المقبلة.
وتزامنت هذه التحركات مع حالة ارتباك سياسي نتجت عن نشر قائمة تجميد الأموال الخاصة بالكيانات الإرهابية، حيث ضمت كلاً من ميليشيا الحوثي اليمنية، وكذلك ميليشيا حزب الله اللبناني، قبل التراجع عنها، وما تلاها من ظهور أنصار ميليشيا حزب الله العراقي في شوارع بغداد، رافعة صور قادة الحزب في مشهد اعتبرته قوى سياسية “تداعيات مباشرة” للأزمة، وتعبيراً عن موقف تلك الفصائل من القرارات الحكومية الأخيرة.
مرحلة حاسمة
ورأى رئيس المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية غازي فيصل أن "العراق يقف، اليوم، أمام معادلة دقيقة تتقاطع فيها التفاهمات الداخلية مع الضغوط الخارجية".
وأضاف فيصل أن "المجتمع الدولي يتجه نحو دعم أنظمة سياسية خالية من نفوذ الفصائل المسلحة، في وقت تواجه فيه القوى العراقية تحديات معقّدة مرتبطة بتشتت المواقف، وتضارب المصالح".
وأردف في تصريح لـ"إرم نيوز" أن "الدور الأمريكي بات أكثر حضوراً في متابعة مسار تشكيل الحكومة، سواء من خلال الحوار السياسي مع القوى العراقية أو عبر الملفات المرتبطة بالعقوبات والقيود المفروضة على شخصيات مرتبطة بالفصائل، وهي ملفات تنظر إليها واشنطن كجزء من معادلة الاستقرار الإقليمي".
وتابع أن "تعقيدات الإطار التنسيقي، وصعوبة الاتفاق على مرشح لرئاسة الوزراء، إلى جانب الأزمة بين الحزبين الكرديين، وعدم اتساق المواقف السنية، كلها عوامل تجعل عملية التشكيل محكومة بمساحات واسعة من المساومة السياسية، وبحاجة إلى وقت للوصول إلى صيغة تُرضي الأطراف المختلفة، وتنسجم في الوقت ذاته مع المتغيرات الإقليمية والدولية".
خلافات المكونات
وفي الجانب الكردي، تستمر الخلافات بين الحزبين الرئيسين حول مجمل المناصب سواء في تشكيلة الحكومة الاتحادية، أو تشكيل حكومة الإقليم المعطلة منذ سنة ونصف، مع اتساع الفجوة بعد أحداث قرية لاجان في أربيل.
وتظاهر، قبل أيام، العشرات من المواطنين مطالبين بالتعيينات في مصافي النفط، لكن اشتباكات نشبت مع قوى الأمن أدت إلى سقوط 12 شخصاً بين قتيل وجريح ما تسبب بارتفاع مستوى التوتر داخل الإقليم.
بدوره قال المحلل السياسي محمد التميمي إن "المرحلة الحالية تتسم بتعدد العوامل المؤثرة على مسار تشكيل الحكومة، فالتوازنات بين القوى الشيعية ليست كما كانت في الدورات السابقة، بينما تشهد الساحتان الكردية والسنية تحولات واضحة تزيد من حجم التحديات".
و أوضح التميمي لـ"إرم نيوز" أن "التحركات الميدانية التي شهدتها بغداد مؤخراً، بما فيها ظهور أنصار الفصائل في بعض الشوارع، تمثل انعكاساً لتداعيات القرارات الحكومية المتعلقة بقوائم الإرهاب، وتعبّر عن حساسية المرحلة بالنسبة لتلك الجماعات".
وبين أن "أي توتر من هذا النوع يُقرأ داخل الأوساط السياسية بوصفه رسالة ضغط، لكنه لا يغير من الاتجاه العام للمفاوضات، التي ما تزال قائمة بين جميع الأطراف".
وتشير معطيات سياسية إلى أن الضغوط الدولية المتعلقة بمشاركة الشخصيات المرتبطة بالميليشيات المسلحة في الحكومة المقبلة باتت جزءاً من الحسابات اليومية للقوى العراقية، وأن إدخال هذه الشخصيات في التشكيلة الوزارية سيخضع لمعادلات دقيقة تتداخل فيها المواقف الأمريكية والإيرانية.